أمريكا تختار الإرهاب
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
ليس هناك أفضل من هذا العنوان وصفا لانتصار بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فلأول مرة منذ سنوات طويلة جدا ينسى الناخب الأمريكي همومه الاقتصادية التي كانت تحدد طريقة انتخابه ولمن يعطي صوته. ويقوم بترك همومه الداخلية كي يتفضى لهمومنا نحن في بلاد العرب. ويبدو ان الأمريكان حريصون على بلادنا العربية والحياة الديمقراطية فيها أكثر مما هم حريصون على نشرها في بلدهم الكبير. فقد شهدت الحياة الديمقراطية الامريكية خراباً ممنهجاً ونقضاً لحقوق الإنسان وخروقات لا تعد ولا تحصى منذ عاصفة الطائرات التي ضربت نيويورك وواشنطن. وقد ارتفعت عاليا في امريكا بوش راية العنصرية والشوفينية الدينية المنسجمة مع العدوانية الصهيونية وكذلك مع النظريات التي قامت عليها الحملات المتصلبنة في بلادنا.. وأصبح العداء للعرب والمسلمين من أهم سمات القيادة الأمريكية.وقد برهنت الادارة الامريكية بقيادة بوش على ذلك من خلال احتلالها للعراق وممارسة جرائم حربية يومية هناك. كما أكدت عداءها المحكم للعرب عبر وقوفها مع إسرائيل ظالمة او مظلومة ضد الفلسطينيين أصحاب الحق والحقوق.
انتصرت ارادة الشر في امريكا ، وارتفع من جديد وبشكل اكبر صوت الحرب والإرهاب والعنصرية،فمن خلال جراحها وصدمتها وخوفها ولا عقلانيتها وعماها السياسي وبنيتها التي تبوشت (من بوش) قامت الجماهير الأمريكية بإعطاء أصواتها للإدارة القديمة، بالرغم من أنها إدارة حرب جعلت أمريكا في عزلة حتى عن اقرب الحلفاء. فبفضل سياسة الحرب والعصا الغليظة والتدخل في شئون الدول الأخرى سياسيا واقتصاديا وامنيا وعسكريا أصبحت أمريكا أكثر كرها في العالم، وهي بسياستها تلك تجند يوميا مئات المتطوعين لمحاربتها في العراق وفي كل العالم. وتجعل من تقطيع الرؤوس لغة مشتركة و أساسا للتعامل بينها وبين من تدعي أنها تحاربهم.
لقد انتصر صوت العداء للإنسانية وللحياة الآمنة والهادئة بين الشعوب والأمم والبلدان، وعلت أصوات التعصب الديني الشوفيني المترجم إرهابا ووبال ضد الشعوب في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان والسودان وغير هم من المظلومين في عالم اليوم. وبهذا الانتصار تكون فرحة الصهاينة المتطرفين في كيان الاحتلال الصهيوني أيضا كبيرة، لأن بوش حليفهم الأساسي في الحرب وليس فقط في تعطيل عملية السلام. وبالرغم من انه لم يكن هناك فرق كبير بين بوش وكيري في الموضوع الفلسطيني إلا أن الأول يبقى أفضل من الثاني بالنسبة للحكم في تل أبيب.
ما الذي على العرب فعله من اجل مواجهة اربع سنوات جديدة من حكم العنصرية الدينية اليمينية المتشددة في الولايات المتحدة الامريكية؟ وهل باستطاعة الامة العربية ومن خلفها الاسلامية مواجهة الخطر الأمريكي الوجودي برص الصفوف ورفض الفكرة الأمريكية بمواجهتها بالعقل والتأكيد على دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والقانون الدولي، وكذلك بتعزيز الصفوف الداخلية عبر عدم ترك مسببات واسباب تعطي الادعاء الامريكي ما يقدمه كتبرير للحرب. بامكان حكام الأمتين ان يجروا تحسينات وتعديلات على الأنظمة والدساتير في بلادهم وإعطاء الناس حرية اكبر وتوفير مناخ ديمقراطي حقيقي، لأن الحرية الشخصية التي يتمتع بها المواطن تكون كفيلة بضمانه حاميا للدولة ومؤسساتها الديمقراطية.
كذلك فان مواجهة التطرف الأمريكي لا يمكن ان تكون بقبول السياسة الأمريكية او غض النظر عنها أو السير في ركابها. فأمريكا التي تدعي خوفها من الإرهاب ومكافحته ، قررت انتخاب رئيسها الذي ابتدع تلك القضية المرعبة، وأرسل جنود بلاده لاحتلال وترهيب وترغيب الدول العربية والإسلامية بحجة مكافحة الارهاب العالمي. وسلوك بوش الابن في فترة رئاسته السابقة كان سلوكا منافيا للقيم والمبادئ الدولية، وأشبه بسلوك المافيات والعصابات. لذا فان إعادة انتخابه سوف تزيد من حدة العنف والإرهاب وألا استقرار في العالم أجمع وفي الشرق الأوسط خاصة.
لقد تميزت حقبة بوش بالعدوانية اتجاه الإسلام والعرب والقضية الفلسطينية ولم يترك بوش وأركان إدارته فرصة إلا وهاجموا الفلسطينيين والعرب والمسلمين غير مبالين بمشاعر هؤلاء. وقد ظنوا أنهم بوجودهم العسكري في الشرق الأوسط سوف يغيروا مسار التاريخ. والغريب أن اركان ادارة بوش لم يتعلموا من تجارب أجدادهم الذين عادوا من الشرق خائبين، ولا من تجارب أسلافهم في فيتنام وغيرها من الدول، فمزبلة التاريخ عادة تكون نهاية كل غازي ومحتل. ويجب على إدارة بوش الجديدة ان تخرج من عزل السياسة العالمية الذي اتخذته منذ عمليات 11 أيلول الدموية. فالشرق الأوسط ليس بحاجة للجيوش والحروب بقدر حاجته للسلام والحلول التي تضمن كرامة الناس.
ما لم تبدل إدارة بوش سياستها العدوانية اتجاه العرب والمسلمين وبالذات الفلسطينيين فأنها لن تستطيع تحقيق أي شيء هام في المنطقة. فنشر الديمقراطية لا يكون بالحراب وتقطيع الرؤوس سواء بالقصف أو بالسيف، بل بالتعاون مع المجتمعات والشعوب والدول والحكومات المنتخبة ديمقراطيا وليس حكومة علاوي أو حكومات العشائر والقبائل والجيوش.
ثم أن وجود الولايات المتحدة الأمريكية العسكري واحتلالها للبلاد العربية والإسلامية وتحالفها المطلق مع جزاري تل أبيب سوف يرتد وبالا عليها وعلى كيان الصهاينة في فلسطين المحتلة. وهذا ما تؤكده حدة المواجهة والمقاومة في فلسطين والعراق، كما تعززه أمزجة الشعوب العربية والإسلامية التي يزداد عداءها يوما بعد يوم للوجود الأمريكي وللسياسة الأمريكية في المنطقة.
ان تجربة بوش السابقة أكدت ان هذا الرجل لا يعمل وحده كما رؤساء بلادنا العربية بل يوجد خلفه مؤسسة أمريكية يمينية متشددة ضخمة تدير سياساته من الألف حتى الياء. وتلك المؤسسة لا تكن للعرب والمسلمين سوى العداء والحقد والضغينة.لأنها مؤسسة تمارس معتقداتها العنصرية التي تستغل فيها الدين كعامل في نشر الحقد والعداء للإسلام والعرب والمشرقيين. انها بكل بساطة ادارة جديدة بوجه ذميم ولسان قديم..
نضـال حمد ـ اوسلـو
06-11-2004