رصاص الأمريكان يقضي على فرح الطليان
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
من المستفيد من عملية اختطاف جوليانا سيرغينا مراسلة صحيفة «ال مانينوستو» اليسارية الإيطالية؟. هل هم الذين اختطفوها بغية إيصال صوتهم ومعاناتهم والدلائل التي يمتلكونها للرأي العام الأوروبي والعالمي، أم أنها عملية ابتزاز للأجانب في العراق وإرهاب لكل أوروبي وأجنبي يجيء إلى تلك البلاد المحتلة، حيث كان استعان بعض أهلها بالظالم على الظالم فكان فريسة للاثنين ولقصر نظره وقلة حيلته كذلك.
جولينا سيرغينا مكثت رهن الاختطاف والاعتقال لفترة ليست قليلة وكان مصيرها غامضا حتى تم إطلاق سراحها يوم أمس، لكن تحررها من خاطفيها لم يكن نهاية مشوارها العراقي، إذ أن السيارة التي كان تقلها مع مرافقيها من الأمن الإيطالي حليف المخابرات المركزية الأمريكية تعرضت لنيران قوات المارينز التي إصابتها إصابات غير خطرة في الكتف، لكنها كانت قاتلة لمرافقها ضابط الأمن الإيطالي نيكولا كابيلاري، الذي أصبح بطلاً في عيون أبناء شعبه بعد نجاحه في تحريرها من الأسر العراقي الصعب، ثم بعد أن حماها من الرصاص الاحتلال الأمريكي بجسده مما أدى إلى وفاته هو نفسه وإنقاذ حياتها.
يعتبر كابيلاري بكل المقاييس الدنيوية والأخلاقية شهيدا من الدرجة الأولى لأنه قام بواجبه على أكمل وجه، حيث انه قدم أعز ما يملك ألا وهو حياته في سبيل حماية مواطني بلده وفي خدمته الوطنية. وإذا ما صحت ادعاءات بيار سكولاري صديق الصحافية المحررة جوليانا سيرغينا ،الذي أعلن أن الأمريكيين لم يرغبوا بخروجها حية من الأسر لأنها تمتلك معلومات وأسرار محرجة للأمريكان. حيث انه أشار إلى أن الأمريكان كانوا على علم بمرور الموكب،و أنهم تلقوا معلومات وتبلغوا من قبل الجانب الإيطالي عن السيارة التي تقل الصحافية ومرافقيها ، ورغم هذا قاموا بإطلاق الرصاص عليهم من كمين نصبوه لهم.
مات كابيلاري البالغ من العمر 51 عاما بعدما أنقذ حياة جوليانا سيرغينا مرتين متتاليتين الأولى من الاحتجاز كرهينة بين الحياة والموت، كانت تنتظر قطع رأسها في غياهب الغابة العراقية الموحشة أو نهايتها بشكل لا يتكهنه أي إنسان، والثانية عندما صد الرصاص الأمريكي الفتاك عنها بجسده. هنا يجب القول أن الضابط كابيلاري بموته المشرف قد يكون على وشك تقديم خدمة جليلة للعالم الحر وللشعب العراقي وللقانون الدولي لأن الأسيرة أو الرهينة المحررة ستدلي بدلوها وستقدم معلوماتها للرأي العام بعد خروجها من المستشفى واستعادتها عافيتها.. لكن كل هذا يبقى مجرد افتراضات حتى يأتي الخبر اليقين منها نفسها.
جوليانا سيرغينا علقت على الحادث بقولها لأحدى المحطات التلفزيونية الإيطالية أنهم كانوا يسيرون ببطء بسبب الظروف التي كانوا فيها، وأنها كانت تتكلم مع نيكولا كابيلاري حين فاجأهم الرصاص الذي استمر حيث لم يتسن للسائق أن يوضح أنهم إيطاليون. وتتناقض أقوالها مع أقوال المارينز الذين قالوا أن السيارة كانت تسير بسرعة عالة جداً وأنها لم تتوقف ولم تتمثل لإشاراتهم وتلويحاتهم لها بالتوقف ولا لطلقاتهم التحذيرية. لكن الحقيقة الواضحة يعرفها كل إنسان وهي أن الأمريكان يقتلون ويدمرون ويعتقلون في العراق لأتفه الأسباب وهم يستعملون نفس الأساليب الإسرائيلية المتبعة في فلسطين المحتلة، قتل ، إطلاق نار دون سابق إنذار وبلا سبب ، هدم البيوت كعقاب جماعي، إذلال وتعذيب واغتصاب وامتهان الأسرى والمعتقلين من الجنسين. وعلى النقيض و العكس من الأمريكان فان الذين اختطفوا سيرغينا كانوا بحسب قولها هي يعاملونها معاملة جيدة ولم تتعرض لأي سوء خلال فترة احتجازها. طبعاً هذا لا يبرر اختطافها ولا احتجازها بأي شكل من الأشكال، لكنها حقيقة وجب توضيحها للمقارنة بين المحتلين والقابعين تحت الاحتلال.
لا بد لهذه الحادثة أن تلقي بظلالها على الوضع الداخلي الإيطالي وقد ينتج عنها مواجهة ساخنة بين معسكري اليمين واليسار في بلاد المعكرونة حول استمرار التحالف الطلياني الأمريكي في العراق، وسوف تكون هناك احتجاجات جماهيرية قوية ضد الأمريكان ومطالبة بسحب القوات الإيطالية من العراق، خاصة أن العالم اجمع يستعد في منتصف هذا الشهر لإحياء يومه ضد الحرب وضد الاحتلال الأمريكي للعراق. ولن تخفف من تلك العاصفة المرتقبة تصريحات برلسكوني ووزير خارجيته فيني ولا وعد أمريكا بأجراء تحقيقات في القضية. فالعدالة الأمريكية مشكوك بأمرها وليست سوية ولا مستقيمة،فالولايات المتحدة الأمريكية نفسها من أكثر بلاد العالم خرقاً للقوانين الدولية ولحقوق الإنسان. وكما قالت منظمة مراسلون بلا حدود الصحافية في بيان لها وزع يوم أمس السبت : " يبدو لنا أن هذا التحقيق لا يمكن أن يقوم به الجيش الأمريكي وحده..." وهنا تقصد المنظمة أن تقارير وتحقيقات الجيش الأمريكي تهدف فقط إلى تبرئة العسكريين الأمريكان من أي مسؤولية كما حصل في أوقات سابقة.
نضـال حمد ـ عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين
06-03-2005