هل موت عرفات سيكون نهاية الأوسلة الفلسطينية؟
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

بحسب صحيفة (معاريف) الصهيونية فان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سلم وصيته لزوجته (سهى عرفات) وكذلك لابن شقيقته ممثل فلسطين الدائم في الأمم المتحدة السيد ناصر القدوة. وارتكزت الصحيفة في خبرها على مصادر فلسطينية لم تذكرها بالاسم. وتضيف الصحيفة ان الوصية نصت على أن يكون خليفة عرفات في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة الفلسطينية السيد فاروق القدومي (أبو اللطف) رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية. وبحسب معاريف فان استدعاء عرفات مؤخراً لأبي اللطف من تونس كان لإبلاغه ذلك".

من المحتمل ان عرفات فعل ذلك عندما أصبح على علم بحقيقة وضعه الصحي الخطير. وقد استغل لحظة تحسن طارئة في صحته وهنيهة صفاء ذهنه وقام بفعل ذلك. وهذه على كل حال نقطة ايجابية تسجل لصالح الرئيس الفلسطيني، كما أنها ضربة جديدة لمستقبل مهندس اتفاقيات اوسلو محمود عباس (أبو مازن) ومعسكره الزاحف نحو سلام الشجعان الانتحاري.

بحسب التوقعات فان مثل هذه القضية سوف تثير زوبعة (اوسلوية) جديدة لأنها ستكون ضربة قوية لنهج الاندفاع السلمي الذي يقوده ابو مازن وينخرط فيه بضع من أشبال ورجال اوسلو. فهؤلاء القوم الذين تأوسلوا (من أوسلو) في مرحلة اوسلو الممتدة منذ العودة الى غزة واريحا أولاً حتى زماننا هذا، سوف لن يرضوا بتلك الخلافة التي لا تناسبهم ولا تنسجم وتوجهاتهم وطموحاتهم السياسية والحركية والسلطوية والأوسلوية. فموقف القدومي كان رافضا لما دار في اوسلو وظل يرفض العودة إلى أراضي السلطة الفلسطينية على طريقة من عادوا من لجنة فتح المركزية وانخرطوا في عملية الأوسلة السياسية والسلطوية.فنسوا سنوات الشموخ وسيوف النضال ورايات الثورة حتى النصر والعودة إلى النبع الفلسطيني الشعبي، نبع المخيمات التي حملت الثورة وصانتها وحمتها وحافظت عليها بالدماء والعطاء.

لكن التركة الثقيلة التي خلفها عرفات وتركها حملا جديدا على ظهر خليفته، هل يمكن للخليفة المرتقب في حال كان القدومي ان يسبح عكس تيار الأوسلوية السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية والشللية التي تتحكم بمؤسسات وكيان السلطة الفلسطينية؟ قد يتمكن وقد يستطيع ابو اللطف مواجهة تلك التركة عبر القيام بفصل السلطة عن المنظمة، وهنا قد يجد العون في الشرعية الفلسطينية عبر الاستعانة بقرارات القيادة الفلسطينية والمجالس الوطنية التي نصت على دور المنظمة الأساسي في قيادة السلطة ومراقبتها ومحاسبتها وتوجيه سياستها أو عبر الدعوة لاستفتاء فلسطيني عام في الداخل والخارج،كذلك عبر تعزيز التعاون والتفاهم والوحدة مع قوى المعارضة الفلسطينية ومع مراكز القوى داخل حركة فتح نفسها. ونعلم كما يعلم السيد القدومي أن الرئيس عرفات كان قد رمى كل ذلك جانبا وقام بقيادة السلطة والمنظمة بطريقة غيبت المنظمة نهائيا وجعلتها مجرد ختم لتوقيع وتمرير ما لا يمكن أن يمر في المجلس الوطني الفلسطيني.لذا فبناء المؤسسة وفصل السلطات بين المنظمة والسلطة أمر ضروري لعودة الحياة الى الجسد المريض.

لكن كيف سيقود ابو اللطف من دون مساعدة من الداخل؟

نعتقد ان مهمته لن تكون سهلة البتة، فهو بحاجة لتحالفات فتحاوية قوية، تسنده في معركته مع أشبال ورجال اوسلو. وهذا الدعم قد لا يجده داخل فلسطين سوى في كتائب شهداء الأقصى وبعض قيادات تنظيم فتح في الضفة والقطاع. أما القيادة العليا ولا نقول التاريخية لأنه لم يعد يوجد من التاريخيين سوى القدومي فقط لا غير فسوف تكون بدورها منقسمة بين مؤيد ومعارض وغير معارض وغير مؤيد يعني ضائع وحائر.

وتقول الصحيفة الصهيونية أن القدومي يحظى بشعبية"لكنه لا يملك قوة حقيقية في الأراضي الفلسطينية وسيحتاج إلى قريع ليدعمه". وتضيف أنه "في حال وافق القدومي على تولي رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية فإنه سيقود السلطة الفلسطينية سوية مع أحمد قريع، وتحتهم سيكون محمد دحلان وجبريل الرجوب".

هذه التكهنات للصحيفة الصهيونية تجعلنا نتوقف عندها فكيف سيتمكن ابو اللطف في حال استلم الخلافة من عرفات قيادة هذا التناقض العجيب الغريب، ونعني به العمل مع رموز الأوسلة بكل معانيها التي ذكرناها سابقاً ؟ خاصة ان للرجل موقف واضح من اتفاقية اوسلو ومن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذي يعتبره " أهم من قيام الدولة" بحسب ما جاء في "معاريف".

بصراحة أن مهمة ابو اللطف صعبة للغاية ومعقدة ومثيرة، لأنه سوف يكون كالسائر في حقول ألغام لا نهاية لها. لكن ابو اللطف الخبير السياسي المحنك والقائد الفتحاوي التاريخي قد يحسم ما لم يحسمه عرفات ويقوم بفصل السلطات بين السلطة والمنظمة ويعيد للمنظمة دورها التاريخي والشرعي في قيادة الشعب الفلسطيني والنضال الوطني بشكل عام، وهذا أيضا يتطلب منه انفتاحا أكبر على المعارضة الفلسطينية وبالذات شقها الإسلامي القوي المتمثل بحركتي حماس والجهاد وعلى عامة الشعب. هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى نعتقد ان (إسرائيل) ستكون ضد هذه الخلافة وضد القدومي وكل من يقف في صفه، لأنه تعتبره من أعداء السلام أي سلام اوسلو وتعتقد بأنه أكثر تشددا من عرفات نفسه في هذه المسألة، فهو وقف ضد عملية سلام اوسلو ورفض العودة مع من عادوا وأيد المقاومة الفلسطينية وحقها في الكفاح بالعمليات الفدائية المميزة وغير ذلك وأصر على التمسك بالثوابت الوطنية وأهمها ثابتة حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.

نضـال حمد ـ اوسلـو
06-11-2004