ليس الذي حصل في سجون ومعتقلات الصهاينة التي تعج بثمانية آلاف أسير وأسيرة من العرب - العرب وليس من الذين يعتقدون أنهم عربا.. سوى انتزاعا لانتصار مؤقت في جولة جديدة من معارك الحركة الأسيرة في تلك المعتقلات والأقبية. كما هو معروف فان معظم هؤلاء الأسرى من الفلسطينيين والفلسطينيات، ومنهم من يمكث في السجن ورهن الاعتقال منذ حوالي 30 عاما مضت، ومنهم كذلك من اعتقل في الانتفاضة الحالية وعزل في الزنازين منذ اعتقاله.
ليس انتصارهم المؤقت في الثاني من أيلول سبتمبر 2004 سوى التعبير الحقيقي عن قوة الإرادة ساعة تتحدى الجلاد وجبروته وغطرسته. فقد كسبت الحركة الأسيرة بجوعها ونضالها وإضرابها الطويل عن الطعام أولى جولات معركة الأمعاء الخاوية. فهذه الجولة من حرب الارادات كانت للأسرى منذ البداية حتى النهاية و عن جدارة. حيث تم إخضاع الاحتلال لتلبية معظم المطالب والالتزام والتعهد بدراسة أكثرها صعوبة عليه. لكن مقابل ذلك قام الأسرى بتعليق إضرابهم الذي استمر 19 يوما متتالية، كانت أياماً عصيبة وصعبة على الأسرى والسجان وعلى الجميع.
هذا الإنجاز المرحلي في حال التزمت به مصالح السجون ولم تلحسه سيكون بالتأكيد عاملا ايجابيا يضاف لرصيد الأسرى وحركتهم الوطنية في معركة الحرية. وسوف يزيد من قدرتهم على التواصل مع عائلاتهم وزوارهم ومع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي. وهنا يتحتم علينا التذكير بالدور الكبير الذي لعبته الخيام التي نصبت تضامنا مع الأسرى في مدن وقرى وبلدات فلسطين وفي لبنان بالذات كما في العالمين العربي والأجنبي. لقد كان لأهالي الأسرى والمعتقلين ولمناصريهم من أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية والأصدقاء في العالم دوراً أساسياً في انتصار الإضراب ونجاح الأسرى في انتزاع مطالبهم.
معروف انه سقط شهداء للحركة الأسيرة في الاضرابات السابقة،وكان أولهم في إضراب سنة 1970 في سجن عسقلان الشهيد عبد القادر أبو فحم من غزة، ثم استشهد حسين عبيدات في إضراب 1992 وهو من أبناء القدس المحتلة. لكن هذه المرة جاءت الشهادة ليس من السجون والمعتقلات لكن من خيام التضامن التي أقيمت لأجلهم في كل فلسطين..
ققد جاءت وفاة أم الأسير عمار الزبن في خيمة نابلس لتزين الإضراب بوشاح حزين لف الخيام. ثم أصبحت بذلك من أول شهيدات الخيام التي تطالب بحرية الأسرى، تألقت الشهيدة الأم كنجم مشع مع ابنها الأسير البار عمار الزبن الذي يقضي عقوبة بالسجن الصهيوني تصل مدتها ل27 حكما مؤبدا. وعمار كما والدته نجم على الأرض نجم في السماء، سماء الوطن الكبير،وشمعدان حرية يقف بثبات مشعا، منيرا في زمن العتمة العربية. واستشهاد والدته زاده ورفاقه إصراراً على متابعة المشوار. كما انه رفد خيام التضامن بدماء جديدة جعلته يستمر ويصمد ويقاوم الجوع ويتمسك بالأمل.
هل انتهت معركة الامعاء الخاوية بتعليق الإضراب ؟
وهل حصل الأسرى على كل مطالبهم كما قيل في وسائل الإعلام وكما أعلن الوزير هشام عبد الرازق ؟
الحقيقة أن التجارب السابقة للحركة الأسيرة وخاصة في اضراباتها التي تتالت منذ 1970 وحتى هذا الإضراب الأخير، ودفعت خلالها الحركة الأسيرة شهداء وتضحيات كبيرة تجعلنا متحسسين وغير ميالين للتسرع في إعلان نهاية الإضراب وتحقيق المطالب خاصة ان هناك من يقول بان البعض قد تسرع في إعلانه ان كل المطالب باستثناء قضية عزل مروان البرغوثي قد تحققت ووافق عليها الجانب الإسرائيلي. فهناك مثلا سجناء بئر السبع حيث لم يعلقوا الإضراب فورا رغم كل المحاولات التي جرت لحثهم على تعليقه.
مهما كان فان رضوخ الصهاينة لمطالب الإضراب جاءت بفضل الإصرار الذي أبداه المضربون وبفضل إيمانهم بأنهم على حق والسجان على باطل. و قضية الأسرى وإضرابهم ليست عملية سهلة بل هي عملية معقدة أربكت إسرائيل الصهيونية التي تدعي أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في شرق المتوسط. فبعد أن أدرك الصهاينة ان القضية بدأت تأخذ أبعاداً دولية مع انتشار الاعتصامات والاضرابات تضامنا مع الأسرى ومطالبهم، تراجعوا ورضخوا.
الآن بعد انتصار الامعاء الخاوية على الاحتلال في الجولة المذكورة، على الأسرى و شعب فلسطين ان يستعدوا لخوض المعركة الحاسمة من اجل تحريرهم وإعادتهم للحرية، وهذا يتطلب وحدة الشعب والسلطة والمعارضة وكل فئات المجتمع الفلسطيني، بالعمل والتنسيق مع كل أصدقاء فلسطين في كل العالم وخاصة على الصعيد الاعلامي.
نضال حمد ـ اوسلو
تاريخ النشر : 14:30 05.09.04