هل سيعود عرفات من باريس الى غزة ؟
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو
مرض عرفات جعل الدنيا تهتز والعالم يتحرك، حرك الجميع من القدس المحتلة حتى البيت الأمريكي الأبيض المنشغل بالانتخابات الرئاسية،وجعل بوش يعلن قلقه على عرفات، وباول يتصل بشعث مطمئنا، والقذافي ومبارك و شيراك حتى زملاء براك في حزب العمل الآيل الى السقوط والانقراض والقابع منذ هزيمته عل يدي شارون بصمت ودونما حراك.
مرض عرفات جعل الأقلام تغرد مثل الطيور وكل طائر كتابي يكتب حسبما رآه وكيفما أراد أن يصوره في تلك اللحظات الحرجة. فمنهم من ألهه وجعله فوق الموت وفوق المرض ومنهم من عبر عن سعادة ولو أنها لم تكن ظاهرة بل مخبأة خلف الكلمات. ومنهم من خاف على فلسطين الضياع باعتبار ان موت الرئيس قد يسبب ضياع القضية وخراب روما الفلسطينية. وهذا كلام غير دقيق،فصحيح ان موته او مرضه وابتعاده عن الساحة قد يؤثر على الوضع لكنه لن يخلق حربا أهلية فلسطينية بحجم الحرب اللبنانية أو اقل منها، ولن يترك الساحة لشخص معين لأنه لا يوجد من أهل اوسلو حتى شخص واحد يحظى بثقة الشعب الفلسطيني وتأييده.
هل سيعود ابو عمار في حال شفائه الى فلسطين المحتلة؟
هذا السؤال صعب وتصعب الإجابة عليه، فهناك احتمالات عديدة وسيناريوهات منوعة، والمتوقع ان لا يسمح للرجل بالعودة الى الضفة، وقد تكون رحلة باريس للعلاج بداية عودة الرئيس الفلسطيني الى غزة كي يستلمها بعد انسحاب جيش الاحتلال منها. ومن يدري لعل لمرض الرئيس علاقة بالانسحاب من غزة.. ولعل إمكانية تسميمه واردة كي يخرج من المقاطعة الى الخارج للعلاج ومن ثم يمنع من العودة إليها، ويصبح خيار غزة أولا واردا من جديد وأمراً واقعاً سيضطر عرفات لقبوله كما قبل في سنوات سابقة خيارات مشابهة... وهنا تجدر الإشارة إلى الرأي الهام والذكي للمحلل السياسي الإسرائيلي زئيف شيف الذي قال ان " التدهور الخطير في صحة عرفات لكأنه من تأليف قائد اوركسترا سياسي". كما أن كل تلك الأحداث أخذت تتسارع لحظة اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية التي ستحتم على الفائز بها أن يضع سياسة جديدة فيما يخص الشرق الأوسط وبالذات القضية الفلسطينية. لكن هناك ايضاً من توقع ان خليفة عرفات سوف يكون شريكاً لشارون في انسحاب غزة، لكننا نعتقد ان شارون لن يجد شريكا غير عرفات نفسه حتى ولو أن الشريك يرقد في سرير فرنسي بعيد عن رام الله. ففي فلسطين لا يمر شيء من دون موافقة ياسر عرفات وسوف لن يمر شيء على الجانب الفلسطيني بدون ضوء أخضر او قرار من الختيار المريض نزيل المستشفى الفرنسي.وسيبقى الأمر على هذا الحال حتى وفاة الختيار.
لكن إذا تدهورت صحة الرئيس عرفات أو مات .. من البديل ؟
لا أبي مازن ولا أبي علاء يحظيان بثقة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، لأنهما بكل بساطة مثالين حيّين على الفشل والفساد الذي تمثله سلطة اوسلو، وعلى حجم الهوة بين السلطة والشعب وعلى عدم الثقة وقلة التأييد لنهج سلام الشجعان. لكن في المقابل يوجد كيان فلسطيني شاءت ظروف سلام الشجعان أن تضعه جانبا وتنحيه وتحيله الى التقاعد دونما مشورة او تكليف من لجنة مختصة. أما الآن وبعدما ظهر مرض الرئيس ولاح من جديد شبح الموت أو المرض عادت قضية القيادة الفلسطينية ومن سيكون مكان عرفات لتحتل الواجهة.
نعم ، من سيكون مكان الختيار الذي كان يحتل أهم الأمكنة في القيادة الفلسطينية؟
هناك احتمالات كثيرة ومنوعة :
الأول وهو الخيار غير الشعبي ممثلاً بمحمود عباس أبو مازن و أبو علاء مع محمد دحلان، محمد رشيد ، جبريل الرجوب وياسر عبد ربه وسري نسيبه، يعني خيار اوسلو وجنيف وأتباع أمريكا وأصدقاء إسرائيل. بهذا الخيار يصبح أبو مازن رئيساً للسلطة مع إمكانية احتلاله رئاسة المنظمة وإدارتها على طريقة تنفيس القضية بالاعتماد على قرارات اللجنة التنفيذية. مع ان تلك اللجنة أصبحت متقادمة وغير قائمة وارتكبت تنازلات خطيرة واتخذت قرارات مصيرية أضرت بالقضية الفلسطينية، وكذبت وأهانت الشعب الفلسطيني مرات ومرات... ومن ضمن التوزيعات الجديدة بعد عرفات فقد تعود مكانة محمد دحلان وجبريل الرجوب كما كانت قبل السور الواقي، واحد في غزة والثاني في الضفة بدعم أمريكي إسرائيلي ورسمي عربي من دول الجوار التي تقيم علاقات سلام مع الاحتلال. كما وتتم إعادة بناء الأجهزة الأمنية التي قد توحد بقدرة قادر. أما ابو علاء وياسر عبد ربه ومحمد رشيد "خالد سلام" وسري نسيبه وبعض الأتباع الآخرين، هؤلاء سوف تكون مهمتهم الترويج لعملية توطين اللاجئين والتنازل عن حقوقهم بالعودة والتعويض. وسيكون لهم امتدادات محلية وإقليمية ودولية.
"وهؤلاء سوف يقوموا بحصار الدائرة السياسية للمنظمة كما حاصر الحجاج الثقفي بجيوشه خلافة الزبير في مكة المكرمة.."
في الجهة المقابلة لمعسكر ابو مازن والسلطة يقف وزير خارجية فلسطين ، رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح فاروق القدومي ابو اللطف،حيث للرجل مكانته في فتح وعلاقاته الجيدة والقوية مع كتائب شهداء الأقصى وكذلك احترامه وعلاقاته الجيدة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى من حركة حماس حتى جبهة التحرير الفلسطينية. وله موقف مقبول ومبدئي من اتفاقية اوسلو وما تبعها من اتفاقيات، كما أنه حريص على تفعيل دور م ت ف ومؤسساتها الوطنية. ويقول الرجل ان السلطة يجب ان تكون خاضعة لقيادة المنظمة وهذا ما نصت عليه اتفاقيات إعلان المبادئ في اوسلو. لكن ابا اللطف يعرف أن الذي كان ولازال يحدث هو ان المنظمة أصبحت تدار من قبل السلطة وأركانها وتمت محاصرة معارضي اوسلو ماليا وسياسياً. كل ذلك حدث عن عمد وسابق إصرار. لذا فأن أهم مشكلة ستواجه ابو اللطف ومعسكره الوحدوي سوف تكون مع الشلل والمحسوبيات والجماعات والوجوه الزائفة التي أبرزتها تجربة اوسلو وأخواتها، حيث هناك فئة من الفاسدين واللصوص الذين سرقوا المنظمة في المنفى ويسرقون القضية في الوطن، هؤلاء الذين ضيعوا الشرعية والقرارات الدولية وسوف يضيعون القضية...
وف يكونوا ضد خلافة ابو اللطف ومع مصالحهم التي يمثلها نهج اوسلو. وهؤلاء سوف يقوموا بحصار الدائرة السياسية للمنظمة كما حاصر الحجاج الثقفي بجيوشه خلافة الزبير في مكة المكرمة. ولكي يستطيع معسكر أبو اللطف التحرك بجدية عليه إيجاد حلول لهؤلاء، لأنهم عبء حقيقي على الشعب الفلسطيني يجب أزاحته، كونه إن استمر سوف يقضي على ما تبقى من حقوق فلسطينية، بعدما كان قضى خلال سنوات اوسلو على الإنجازات الوطنية السابقة وقزم القضية. وقوة ابو اللطف تكون من خلال موقعه في فتح والمنظمة وكذلك تحالفه مع قوى الانتفاضة والمقاومة والمعارضة الفلسطينية الرافضة لنهج اوسلو.
نضـال حمد ـ اوسلـو
02-11-2004