في رثاء حبيبتي

شـعر : نـاصر ثـابت

(1)
كما يمرُّ العطرُ عبرَ غيمة الردى
كما يمرُّ العشقُ بين الأمنياتِ الغادرةْ
حبيبتي كانت هنا
جميلةً وثائرةْ
كانت تنامُ في ربوعِ القلب مثل سنبلة
كانت تعيش في ثنايا الذاكرة
وتجمعُ الأطفالَ في عيونها
لتستمدَّ منهمُ الشموخَ
والمثابرة
قصائدٌ صوفية كانت على أحلامها
ترتاحُ مثل اللغةِ المسافرة
وصوتُها
يعيدُ للبحارِ أغنياتها
وروحُها كالشمس
في أركانها نبوءة
ويستمد الفجرُ من جمالها عناصرَه

(2)
هل تسمحونَ الآن لي
أن لا أقيلَ دمعتي؟
هل تسمحونَ للبكاء أن يذيبَ مقلتي؟
هل يخجلُ الخريفُ من طيوره المهاجرة؟

(3)
حبيبتي
كانت عظيمة العطاءِ مثل حقلِ القمحْ
صورتها مرسومةٌ على رحيق البوحْ
مغروسة في قلبِ كل عائدٍ
وتنتمي إلى انبلاجِ الصبحْ
تاريخها معبّدٌ بالنور والحكايا
لا تنتمي لفكرة السكين بل للجرحْ
حبيبتي
كانت تسمى فتحْ

(4)
في البدْءِ كانت فتح
قمتها ملاعبُ النسورِ
حيثُ ينبُتُ الرصاص بين المِلحْ
قمتها ملاعبُ النسورِ
ليس تسكنُ النسورُ أرضَ السفحْ
فهي انتصارُ فكرة الشهيدِ في عليائهِ
وهي النفوسُ الثائرة
وهي اندحارُ الخوفِ
والأعداءِ
والسماسرة
كأنها موجودةٌ في كلِّ عينٍ ساهرة
وانها في كل بندقيةٍ ساكنةٌ وحاضرة

(5)
واليوم ماتتْ فتح
نعم، فإن الشمسَ والازهارَ قد تموت
وقد تموتُ كلُّ روح طاهرة

(6)
اليومَ ماتتْ فتح
لم تستطعْ جحافلُ الغزاةِ ان تميتها
حتى ولا الملوك والقياصرة
ولم يكن يهزمها الأعداءُ
في المدائن المحاصرة
ولم تكن ترضى بالانحناء
والخضوع
والمتاجرة
والآن ماتت فتحْ
بطعنة مسمومةٍ في الخاصرة
سددها لقلبها الفتيِّ أهلُ القبحْ

(7)
حبيبتي
التي رضعتُ من حنان ثديها الإباءْ
حولها الخصيانُ في طلائع المؤامرة
إلى برود جثةٍ ممزقة
تحترف البغاءْ
وترتضي لنفسِها أن يستبيح لحمَها الأعداء

(8)
حبيبتي
تاريخها مشرِّفٌ
لكنهم
بحقدهم... وجبنهم
أتوا على أحلامها
وقطعوا جسدها.. حالاً إلى أشلاءْ
وقدموه مثلَ قربانٍ الى معابدِ الرياء
هديةً
لسادةِ الكنيستِ الشمطاءْ
لسادة النازية الجديدةْ
لمصاصي الدماءْ

(9)
حبيبتي
آهٍ على حبيبتي وروحها الأبية
آهٍ على نورٍ أضاء الدربَ للقضية
وعلمت أطفالنا ان يحملوا
عشقاً وبندقية
أبكي على أقدامِها
وألعن الذين يشتمونها
ومن أراقوا دمَها
على ترابِ الضفة الغربية
حبيبتي ماتت على حدودِ أوسلو
كالقطة المنسية
بالله لا تبالغوا في طعنها
بالله لا تتهموها أنها تخونكم
فإنها غائبة مغيبة..
وليس في مقدورها أن تمنع المهزلة الحالية
بالله لا تصدقوا
من يكتبون الآن كلَّ ذلهم بإسمها
فإنها لا تقرأ الصَّحافة اليومية
حبيبتي ماتتْ
فلا تحمِّلوها ذنبَ ما يحيقُ بالقضية
حبيبتي ضحية كمثلنا جميعا
أليس كلُّ العار أن نحاكم الضحية...؟

ناصر ثابت / كاليفورنيا 8 آذار 2005
  • موقع الشاعر على شبكة الإنترنت nasserthabet.com