أهكذا أمضي بلا رثاءْ؟!

شـعر : نـاصر ثـابت

لا طعمَ للأشياءِ... لا أسماءْ
الطيرُ، والأشجارُ، والنساءْ جميعُها تشابهتْ
وغادرتْهَا لمسة البريق ِ
ثم اتخذتْ لوناً كلون ِ الماءْ
***
لا عطرَ للأزهار ِ
لا حضورَ للربيع ِ
لا ابتسامَ فوقَ المُقَل ِ الصَّمَّاءْ
لا طعمَ للأمطار ِ
للدموع ِ
للسماءْ
وغربتي تحبسُني
في صدرها المجبول ِ من حكايتي
ومن خَريفِ وجهيَ المخلوق ِ للبكاءْ
***
بحثتُ عني في البحار ِ الموحشة
كأنني سفينة ٌ
قد ضلتِ الميناءْ
أهيمُ في شوارع ٍ مجهولةِ الأرجاءْ
لا طيرَ غنى في دمي
ولا وجدتُ لذةَ الأحلام ِ
لا لمستُ صوتَ الروح ِ في رياض الانتشاءْ
***
أقمتُ في المدائن ِ المجنونةِ المفتعلة
وعشتُ الانتحارَ
والخضوعَ
والرثاءْ
أفيق في الصباح ِ مثلَ القطةِ العمياءْ
أجالسُ الذين يكرهونني
أداعبُ النفاقَ والرياءْ
كأنني لا أستطيع أن أقاوم السقوطْ
كأن في أخيلتي مسٌّ من الخضوع ِ
لوثَة ٌ من انعدامِ الكبرياءْ
وتركضُ الدهورُ مثل النار من أمامي
كأنها وحشٌ
فلا يملُّ من إضاعةِ القصائدِ
التي وعدتُ اللهَ أن أقولَها...
تمرُّ كلُّ لحظةٍ
كأنها عاصفةٌ هوجاءْ
***
أين انتصارُ الشعرِ والهدوءْ؟
وأين ما كتبتُ فوقَ جبهةِ الأحلامِ
من قصائدي العصماءْ؟
ضاعتْ،
وبعدُ لم تجئْ -ككل يومٍ- لحظةُ الولادة
وبعدُ لم يكتملِ الجنينُ في رَحم القلمْ
ولم تُفقْ بشائرُ الأشياءْ
لا بوحَ يأتي هكذا من العدمْ
لا يُستنسَخُ الكلامُ هكذا من الكلامْ
ولا يجيءُ المِلحُ من تفاعلِ الهواءِ
والهواءْ
وكلما وعدتُ ذاتَ اللهِ
أن أمزقَ الأوراقَ...
أن أكسّرَ الأقلامْ
تعيدني الأيامُ صاغراً، وفي المساءْ
تزورني قصائدي عاريةً طريةْ
جاهزةً لكي نمارسَ الرذيلة الشعريةْ
فيقفلُ الظلامُ خلفنا ستارةً سوداءْ
وعندما أفيقُ بعد ليلتي الصوفية
أجدني محدقاً في السقفِ
-يا لدهشتي-
وفي يدي ورقةٌ بيضاءْ
***
الشعرُ مفتاحُ الفَرَجْ
وهو الطريقُ لاحتراق الروحِ والسعادة
وهو انتحارُ لوحتي
التي بدأتُ رسمَها
على جدارِ الماءْ
***
تأخذني سيارتي
إلى دروبٍ لا أحبُّ أن أعيدَ لثمَها
أكررُ الكلامَ والأفكارَ
في أحلاميَ المحطمة
أحسُّ دوماً بالمللْ...
وأرتمي على رصيفِ العشقِ
كالمحارب القديمِ
بعدَ أن تضرجتْ عيناه بالدماءْ
تلكِزني عاهرةٌ
أفيقُ من رائحة ابتسامِها الرديئة
ألعنُها، وألعنُ الخطيئة
فوجهها ما كانَ غيرَ الساعةِ البلهاءْ
***
أخاطبُ المدينةَ المزينة..
أيتها المدينةُ الحمقاءْ،
يا من تعيدُ مضغَنا في الصيف والشتاءْ
أتيتُ كي أدفنني
في وجهك المملوءِ بالأصباغِ، كالعاهرةِ الشمطاءْ
أتيتُ كي أمزّقَ الذي وعدتُ الله أن أكتبَه
على يديكِ الآنَ
يا مقبرة الفضيلة
أيتها الأسطورة السوداءْ
***
وبعدَ أن قضيتُ
صارتِ السماءُ تزدهي بالعشقِ والأضواءْ
وعادتِ الطيورُ للتغريدِ
واستفاقتِ الأعشابُ
والمحارُ
واستفاقتِ السماءْ
أهكذا يا بحرُ لا تبكي عليَّ؟
قلْ لهذا النورسِ المجنونِ ما تشاءْ
وداعبِ الزوارقَ المسافرة
دوماً
على صفحتكَ الزرقاءْْ
لا بأسَ
لن أطلَّ من إغفاءَتي
ولتُقرعِ الأنخابُ فوقَ جثتي
ولترقصِ النساءْ
***
الشاعرُ الذي صلبتم لحمَه
يسألُكم
أهكذا يمضي بلا رثاءْ؟!

ناصر ثابت / كاليفورنيا - 1 أيار 2005
  • موقع الشاعر على شبكة الإنترنت nasserthabet.com