فاطمة
بقلم : محمد رمضان


استيقظت من نومها و أشعة الشمس المتسللة من شقوق النافذة تتخلل خصلات شعرها المسترسلة على الجبين و الخدين, و تداعب عينيها الخضراوين بنوع من المزاح الثقيل الذي لا تحبه...

أدارت وجهها ذات الشمال, سحبت الغطاء لتواري عينيها قليلا, لعلها تنال قسطا آخر يسيرا من النوم الذي تشتاق إليه, فعيناها لم يغمض لهما جفن منذ أيام مضت, ولا تزال صورة أخيها الذي قضى نحبه شهيدا لا تفارقها عقلا وروحا, يقظة و مناما, وجهه المشع نورا, عيناه تتجهان إلى السماء, ابتسامته التي تأخذ الألباب, وجنتاه الورديتان تزينهما حمرة دمه الذي لم يجف و قد مضى على استشهاده يوم كامل, جسده النحيل الذي لم يزل يحتفظ بحرارته كما هي, رائحة المسك التي تفوح من جروحه العديدة في الصدر و الكتف الأيمن و قدمه اليسرى, جبينه الذي لا تزال درر من العرق تزينه و كأنهن الياقوت, الآلاف من الأهل و الأقارب و الأباعد و الجيران الذين جاءوا من أماكن عديدة بعيدة و قريبة ليودعوا هذا الجبل الأشم الذي دوَّخ العدا و أذاقهم الويلات كأسا تلو كأس و بلا هوادة...

تنصت بربيعها العاشر إلى القصص و الحكايا التي يذكرها المودعون و المقبلون للوردة المسجاة في ساحة الدار, يختلسون بعضا من دمه الفواح و المنساب من جسده كي يحتفظوا بها أبدا ما داموا على قيد الحياة و ليتبركوا منها,

- يا الهي ما الذي يجري هنا, من هؤلاء ؟؟؟ و لماذا جاءوا؟؟ أكل هؤلاء يعرفون بلال؟؟ أكل هؤلاء جاءوا يقدمون له آيات الاحترام و التقدير و التبجيل؟؟ ليتك يا بلال تكون حيا لترى هذه الأمواج الهادرة من البشر و هم يتنافسون من يقبلك؟؟ و من يحمل جسدك لحظات؟؟ و تهتف حناجرهم باسمك؟؟ ليت و ليت و ليت.....

يوقظها من حلمها الوردي ضجيج دبابات الحاقدين, ترفع رأسها, تتجه نحو شباك غرفتها, و من بين شقوقه ترى عشرات الجنود المدججين بالسلاح, و مكبرات الصوت تصرخ, أخرجوا سننسف البيت على من فيه!!! تخرج إلى ساحة البيت, تجد أمها باكية و تقول: حسبي الله و نعم الوكيل و دموعها تجري على وجنتيها انهارا...

تتوجه إليها, تحضنها, و تقول:
- لا تجزعي يا أماه!!! أليس هذا في سبيل الله و الوطن
- نعم يا ابنتي – و تضمها إلى صدرها
- هيا بنا نخرج يا أماه قبل أن يفعلها الأوغاد

تخرجان إلى الشارع, يحيط بهما الجنود من كل جانب
- هل بقي أحد في البيت
تجيب فاطمة:
- نعم, بقيت دفاتري و ملابسي و عروستي الصغيرة

يضغط الجندي على زر التفجير
تصرخ فاطمة
تبصق في وجهه
يطلق النار عليها
تصافح روحها روح بلال
و يجري دمهما في ساح الوطن.....
تلقي أمها بنفسها على الأرض إلى جوار وردتها المسجاة و تصرخ:
- واسلاماه...... واعرباه.....

محمد رمضان ـ فلسطين- خانيونس
mohammadramadan2000@yahoo.co.uk
الثلاثاء, 25 نيسان, 2005