أحبـهم يـا أمـي
بقلم : محمد رمضان


كلما جن المساء خلا خليل إلى نفسه في غرفته المسقوفة بصفيح لا يقيه برد الشتاء ولا حر الصيف, و على ضوء شمعة صغيرة اعتاد أن يقلب دفاتره, و يحل واجباته و يحضر دروس الغد, تفاجئه أمه أحيانا فتدخل عليه صومعته الصغيرة التي لا يتجاوز بعداها أمتارا ثلاثة في مترين, يتخذاها مأوى لهما في زمن عز فيه النصير, و ما إن تدخل حتى يرتبك خليل أحيانا و يحاول إخفاء بعض كتبه و أوراقه و دفاتره, يساور الأم شك!!!!
- ماذا يا ترى تحتوي هذه الوريقات و الدفاتر التي يحاول صاحب الأعوام العشرة إخفاءها؟؟؟
تسأل الأم نفسها!! ولا مجيب... تتظاهر أنها لا ترى شيئا و تدخل عليه ضاحكة باسمة:
- هل أعد حبيبي دروس الغد؟؟؟
- نعم يا أماه, وكل شيء جاهز, لماذا لم تحضري معك الخبز والزعتر, كل يوم خبز وزعتر.. خبز وزعتر..
تضحك و تطبع على وجنتيه الورديتين أجمل القبل, و لا تنسى أن تتوج هذا كله بقبلة على الجبين, تذكر أباه الذي قضى شهيدا في مخيم رفح قبل عام و هو يقاوم ....
- لماذا تسيل دموعك يا أمي
- لأني أحبك
- هل تذكرين أبي
تمسح الدموع و تقول:
- أين الدموع يا شقي
يرتقي على صدرها, و يرشف وجنتيها بلسانه و شفتيه, و يقول:
- هذا هو مذاق الدموع يا أمي, أنا رجل البيت, لا تحزني يا أماه... أبي حي في جنان الله يرزق, أنا رجل, ألا تثقين فيَّ؟؟؟
تنام إلى جانبه, تحتضنه, و تقرأ بعضا من آيات القرآن, يقول لها:
- اقرأي يا أماه آيات الشهادة و سورة الإسراء
يغفوان قليلا, يأتي الشهيد إليهما, يمسح على رأسيهما و يغادر, يصرخ خليل:
- أبي, لا تذهب, أريدك يا أبي.... أن تبقى عندنا
تنتبه الأم و تقول:
- و هل رأيت أباك أيضا يا حبيبي!!!
و يلتصق خليل بحضن أمه باكيا, و تسيل دموعه على خديه, و تتسرب إلى شفتيه, ينظر إلى أمه و يقول:
- إن مذاقها كمذاق دموعك قبل قليل, كيف تقولين لي إنها ليست دموعا!!!

يغمض خليل عينيه و يحاول النوم, و تستمر الأم في قراءة ما حفظت من آيات كريمات, حتى نام الفتى الرشيق الجميل بين يديها و في حضنها, تململت قليلا, و تناولت حقيبة المدرسة, فتحتها, تناولت دفاتره واحدا واحدا, انشرح صدرها لتفوقه, و تمتمت بأدعية كثيرة, فتحت الدفتر الأخير, وجدته مليئا بصور الشهداء, و قد كتب خليل تحت كل صورة عبارات محبة و عشق..... هنا فتح خليل عينيه و قال:
- أهذا ألبوم الشهداء يا أمي
- نعم يا ولدي
- متى أعددت هذا يا كبدي؟؟ و من أين لك هذه الصور؟؟
- طوال العام يا أمي, و أشتري الصور من مصروفي اليومي!!
- و لماذا يا ولدي؟؟؟
- لأني أحبهم يا أمي

محمد رمضان ـ فلسطين- خانيونس
mohammadramadan2000@yahoo.co.uk
21 نيسان, 2005