من يحاكم البحر
بقلم : محمد رمضان


في ردة فعل عاجلة على ما قام به إرهابيو تسونامي التابعة لمملكة البحر من غزو فظيع لجزء من بلدية العولمة, قرر رئيس البلدية إرسال فرقة استكشاف لحصر الأضرار الناتجة عن الجريمة النكراء و ذلك من اجل تقدير الخسائر و تقديم المساعدات العاجلة للمتضررين أسوة بما فعله اثر ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر, حيث قام و كردة فعل سريعة بقتل عدة آلاف من الأطفال و النساء و الشيوخ المجرمين الذين اعتقد انهم كانوا السبب. و أصدر أوامره أن على كل المجالس القروية و الريفية و مجالس الحكم المحلي المنتشرة في كافة تابعيات البلدية استنكار ما حدث فورا, حيث اصدر رئيس البلدية فرمانه الشهير أن "من ليس معنا فهو ضدنا". تداعى كافة الوجهاء و المخاتير و سائر الموظفين الصغار و أشباه الصغار إلى إصدار بياناتهم و إرسال قواتهم و تبرعاتهم لنيل رضا مولاهم رئيس البلدية.

أعلن رئيس البلدية أن ما قام به إرهابيو تسونامي المجرمين من خراب و تدمير و انتهاك لكل معايير حقوق الإنسان و الحيوان و الجماد يفوق كل تصور, فلم يحترم هؤلاء الإرهابيون حرمة البيوت حيث قاموا بدخولها و ترويع كل من فيها, و قتلوا الأطفال و النساء و الشيوخ حتى الحيوانات و الدجاج لم ترحمها هذه الفئة الضالة الغير آدمية, و قال انه رأى حروبا كثيرة و اجتياحات و تشريد و تقتيل و هدم و نسف بيوت, رأى ذلك في جنين و بغداد و الفلوجة و خانيونس و قندهار و رفح و نابلس و الخليل و كربلاء و النجف و ما حل بها من هلاك للبلاد و العباد, لكن ذلك كله تم ذلك بموافقة أهالي المذبوحين و المحروقين و المقتولين بطريقة حضارية و ديمقراطية و ان كافة رؤساء المجالس القروية و المحليات و المخاتير و المستشارين قد تم أخذ رأيهم و تواقيعهم بالموافقة الطوعية و الاختيارية دونما أي نوع من الإكراه فبقاؤهم في كراسيهم مرهون طبعا بموافقاتهم.

أصدر رئيس البلدية فرمانا عاجلا بضرورة حصار البحر و اعتقال جميع إرهابيي تسونامي المجرمين فردا فردا و تقديمهم للمحاكمة العاجلة العادلة و ذلك حسب القوانين المعمول بها مع ضرورة استصدار قوانين طوارئ تتيح للبلدية اعتقال كل فرد شرب من ماء البحر أو سبح فيه أو أكل سمكا منه أو استخدم ملحا من ملحه أو ركب مركبا فيه أو نظر إليه أو أحب يوما أن يذهب إليه أو يجلس على شاطئه أو حدثته نفسه أن يحبه و كل من له علاقة من قريب أو من بعيد أو حتى ذاك الذي تنفس يوما نفسا أو اثنين من هواء البحر أو نسيمه أو رذاذه.

حاصروا البحر من كل جانب و اتجاه, من الجو و من البر, القوا عليه ملايين الأطنان من الصواريخ و القنابل و النيران الموجهة بالليزر, نزحوا ملايين البراميل و الأمتار المكعبة من مائه حتى ضاقت بهم أرضهم, جمعوا آلاف الأسماك و المحارات و القواقع و الكائنات الأخرى في عربات نقل عسكرية و دبابات, سجنوهم, نقلوهم في طائرات إلى أماكن بعيدة, سجنوا الماء في زنازين صغيرة, قيدوهم بالسلاسل, نزعوا عنهم ملابسهم, استهزءوا بهم و ببحرهم, منعوهم من التبول أو التبرز إلا مرة واحدة في كل يوم أو اثنين, أطلقوا عليهم الكلاب البوليسية المدربة على عقر الأعضاء الجنسية للذكور و الإناث, مارسوا معهم الشذوذ بكافة أنواعه, أجبروهم على ممارسة الشذوذ مع بعضهم البعض, بالوا عليهم, أطعموهم من برازهم, لفوهم بعلم أعدائهم, حققوا معهم بكل الأساليب.

ما زال البحر ينظر إليهم بهدوئه المعتاد, موجه الجميل يغازل الرمل و النخيل و الشجر, يقبل الشاطئ كعهده, يكظم غيظه, يكتم غضبه, يسقي الإنسان من مائه, يرسل له الأسماك و الأملاح, و يصنع الغيم و يرسله إلى السماء, صبر طويلا, انتظر أن يعود إليه أبناؤه و أحباؤه, و لكن دون جدوى.... كان صراخهم و ألمهم و تعذيبهم يؤرقه, لم يعرف النوم إليه سبيلا, كيف أنام و أبنائي في الأسر؟؟, لم يعرف الضحك إلى شفتيه طريقا.. كيف أضحك و فلذات الكبد مني ممزقة أيما تمزيق؟؟ كيف أذوق الطعام أو الشراب و عرائسي لا يجدون ما يأكلون أو يشربون؟؟ كيف و كيف و ألف كيف من الأسئلة تؤرق فؤاد البحر......؟؟

طلبوا من الماء في الزنازين أن يرحل عن البحر ... عن أبيه ... عن وطنه....
طلبوا من الأسماك و الحيتان و القواقع و المحارات و مختلف الكائنات أن تدلهم أين ينام البحر و أين يختبئ و من أين يأكل و من أين يشرب و أين يخفي أسلحته القاتلة, و أين يختفي الإرهابيون التسوناميون؟؟؟ ساوموهم .... نطلق سراحكم ... نمتعكم ..... و الكروت الخضراء و الجنس و الجنسية و الشقراوات و كل ما لذ و طاب في الحياة الدنيا و لكم في الآخرة ما نشاء و ما تشاءون... لكم ملك خالص... فقط دلونا عليه...

يقرر رئيس البلدية إجراء المحاكمة للبحر, و لم تنته التحقيقات بعد, الأحكام جاهزة, أعدها وزير العدل بتقنية عالية, قرر الرئيس إجراء المحاكمة في أماكن سرية للغاية و استخدام كل أساليب التمويه و الخداع و ذلك لتضليل الإرهابيين عن مكان المحاكمة, فقد يعرفون المكان و يقومون بعمليات إرهابية تؤدي إلى فشل المحاكمة و إخفاقها ناهيك عن أعمال القتل و التخريب. تقوم وكالة الفضاء التابعة للبلدية بوضع كافة سفن و صواريخ الفضاء و الأقمار الاصطناعية تحت تصرف الرئيس, و تقوم وكالة الحروب الفضائية و النووية بإعلان حالة الطوارئ القصوى و يتم تسليم الرئيس كافة المفاتيح و الشفرات الخاصة بهذا النوع من الحروب و ذلك لاستخدامها وقت الحاجة و عند الشعور بخطر داهم يهدد البلدية و أمنها و تابعياتها المترامية في أنحاء شتى.

يتم تسريب العديد من الأخبار, بل المئات منها عن أماكن مختلفة حول المحاكمة و ذلك في محاولة للتضليل, مئات بل آلاف من الأنفاق و المخابئ الموجودة تحت الأرض و في الصحاري و في الجبال و على أعماق تتجاوز أحيانا كيلومترين أو ثلاثة, كلها يتم إعدادها لحالات الطوارئ و إمكانية إجراء المحاكمة فيها, و استخدامها كمراكز قيادة في حال تعرض البلدية لهجوم إرهابي من قبل البحر المتربص بها شرا, يتم في أيام تطوير نظام اتصالات معقد, و يختلف عن النظم التقليدية الحديثة و المعاصرة, هذا النظام من أرقى الأنظمة و لا يمكن اكتشافه أو حل شفراته التي تعتبر غاية في التعقيد.

تم نشر عشرات من أشباه الرئيس في كل مكان, في اجتماعات عامة و سفر خارج البلدية و غير ذلك من أجل التمويه, أما الرئيس الحقيقي فقد تم وضعه في كبسولة خاصة يحيط بها سبع كبسولات أخرى, بين كل كبسولة و الأخرى عدة أبواب لا يمكن فتحها إلا باستخدام شفرات قمة في التعقيد, و يملك الرئيس واحدة منها لا يعرفها أحد سواه و يستطيع تغييرها وقتما شاء, يجلس في الكبسولات الأخرى المحيطة العديد من الحراس و المساعدين و المستشارين و الطباخين و السكرتارية و الطواقم المساعدة الأخرى, بينما يجلس الرئيس وحده في مقصورته و تم إرسال هذه الكبسولة إلى داخل شبكة معقدة من الأنفاق تحت الأرض و تم وضع حراسات مكثفة في كل مكان فوق و تحت الأرض, و على نقاط الالتقاء داخل الأنفاق, و تم ربط ذلك كله بشبكة من الأقمار الصناعية التي تراقب كل الحركات و السكنات من خلال دوائر مغلقة, مربوطة مباشرة مع أزرار أوتوماتيكية لاطلاق الآلاف من الصواريخ النووية و الجرثومية و الليزرية نحو أهداف ثابتة و متحركة مرصودة تماما على مدار جزء من مليون من الثانية و التي يرجع الفضل في اكتشافها إلى احمد زويل.

تم نقل المعتقلين إلى المكان على دفعات متفرقة خشية تسرب أخبار عن عملية نقلهم, و تم استخدام طائرات و سيارات و شاحنات و مروحيات ووسائل نقل أخرى معروفة و غير معروفة وذلك في عملية تمويه بالغة السرية و لم يسبق لها مثيل على مدار التاريخ. تم وضع كل معتقل منهم في ثلاثة أقفاص مصنوعة من مواد تم تطويرها في مختبرات وزارة الدفاع و المخابرات و هي عبارة عن خليط من مواد طبيعية و تصنيعية تبلغ مقاومتها مائة ضعف مقاومة الحديد الصلب, و درجة انصهارها تصل إلى حوالي عشرة آلاف درجة مئوية, إضافة إلى عدم قابليتها للكسر أو النشر و تم وضعهم في زنازين صغيرة تحت الأرض, حيث هناك دائرة مغلقة تصل بين هذه الزنازين و مقصورة الرئيس المتواجدة في الكبسولات السبع, تولى الرئيس بنفسه الإشراف على المحاكمة رغم إصداره تعليمات مشددة للقضاة العسكريين بضرورة عدم التهاون إطلاقا في إصدار الأحكام المعدة سلفا.

جلس رئيس البلدية في كبسولته, يراقب وصول المجرمين من أبناء البحر إلى قاعة المحكمة الضخمة التي أعدت خصيصا لأشهر و أعقد محاكمة في التاريخ. قال القضاة للمتهمين إياكم و الكذب فالرئيس بملكه و ملكوته, رئيس البر و البحر و الجو يرصد كل الحركات و السكنات و يراقبنا و الويل لكل من يرفع صوته سواء منا أو منكم...

تم تشغيل موسيقى صاخبة و أنوار شديدة و خافتة, تثير الرعب حتى في قلوب الذين يعرفون ماهيتها, بدأت الأرض تهتز مع الموسيقى و الأنفاق تتمايل, لم يعرف الرئيس و القضاة و الجيش شيئا مما يجري, ظنوه ازدحام الخيالات الصاخبة, كان البحر يتقدم نحوهم
لقد فاض الكيل به....
لم يعد يحتمل كل هذا .....
زأر البحر زئير غضبه و اهتز القاع منه و الماء....
فاض الماء حتى اعتلى كل البلدية و تابعياتها...
و ملأ الأنفاق في كل مكان....
صرخ الرئيس......
صرخوا جميعا.....
أطبق البحر أنيابه على فرعون .......

17 / 01 / 2005
محمد رمضان ـ فلسطين- خانيونس
mohammadramadan2000@yahoo.co.uk