وردة و حجر
بقلم : محمد رمضان


تعودت أن يرجع إليها ابنها محمد كل يوم بوردة حمراء من المدرسة تعطيها له معلمته مكافأة على تفوقه, فصارت الأم تنتظر هذه الوردة على أحر من الجمر في كل يوم,

تقف على باب المنزل ساعة أو بعض ساعة قبيل موعد عودته,
تتخيله و هو يقبل يديها ثم يتسلق على صدرها ويقبل خديها و جبينها,
ثم يخرج وردة حمراء من حقيبته, يضعها كالتاج على جبينها,
و قد علمته أن يثبتها في شعرها حتى تبقى بقية النهار تزين خصلات شعرها المسترسلة على جبينها,

و يمكث بعد ذلك وقتا غير قليل متسلقا صدرها و يمازحها قائلا:
-   أرضعيني من حليب صدرك
-   كفاك شقاوة
-   ما أجمل الشقاوة على صدرك ِ و في حضنك ِ يا أماه
-   لقد كبرتَ يا ولدي, عيب, بلاش يشوفك الجيران
-   قد ما اكبر راح أبقى طفل صغير بين يديك

تضحك, و تسير به في بهو البيت و هولا يزال متعلقا بصدرها و الوردة تزين جبينها, تقبله قبلتين, ينساب بهدوء من على صدرها,

-   ماذا فعلت يا ولدي في المدرسة اليوم؟
-   الأول في الحساب و العربي و الانجليزي و دخلت هدفين في حصة الرياضة, و رسمت في حصة الرسم مدفع سقطت فيه طيارة الأباتشي اللي بتغتال الشهدا يا مه...

و يخرج كتبه و دفاتره من حقيبته, لتراها أمه واحدا واحدا... تقبله مرات و مرات و هي تنظر فيها, تمسح دموع فرحتها عليه, و تقول:

-   يا الله اكبر يا محمد علشان نفرح فيك أنا و أبوك و اخوتك و أعمامك و أخوالك و الحارة كلها ......
-   ما هو أنا كبير يا مه, أنا عمري عشر سنين
-   لسه بدنا إياك تكبر كمان....

و بينما هي تسرح في شقاوة ابنها, و تنتظره على باب البيت, سمعت ضجيجا و صخبا يقترب منها, و اقترب منها أطفال صغار في سن محمد و من مدرسته و قال أحدهم:

-   محمد استشهد يا مه ..... اليهود طخوه في المظاهرة....و نقلته الإسعاف للمستشفى....
-   اللهم اجعله خير..... يا رب...

أسرعت الأم إلى المستشفى و الذي يبعد عن بيتها خطوات قليلة, و هي لا تدري ما الذي يجري حولها, و ما الذي سمعته, وصلت المستشفى, كان هناك شهداء و جرحى و سيارات إسعاف و أطباء و ممرضين و مواطنين, سألت:
-   من الشهداء؟
-   طفل في العاشرة
-   أين هو؟
-   من أنت ِ؟
-   ربما أكون أمه!!..... لا أدري!!

قادها طبيب إلى حيث الطفل الشهيد, نظرت إليه!! صرخت......

-   محمد.... ابني .... حبيبي..... روحي....

و انهالت عليه, تقبله و عيناها تذرفان الدموع......
أغمي عليها.... أجرى الطبيب ما يلزم لها, لتعود إلى وعيها,
صحت,
وجدت حقيبة محمد إلى جانبها,
فتحت الحقيبة,
وجدت الوردة الحمراء بين دفاتره,
أخذتها, قبّلتها,
ذهبت إلى حيث جثمان الابن الشهيد,
قبلت وجنتيه و جبينه,
وضعت الوردة على جبينه,
أمسكت يده اليمنى لتقبلها,
وجدته يشد على حجر بكفه......

محمد رمضان ـ فلسطين

تاريخ النشر : 22.09.2004