أُمـَّــــــــــاه
بقلم : محمد رمضان


نسرين و كما توقعت
جاءتها آلام المخاض مبكرة عن موعدها بأيام
و بعد منتصف الليل بقليل
هل تصبر للصباح؟
هل توقظ زوجها المنهك طول النهار من أحلامه الوردية؟
هل تستطيع اختراق الحواجز و الوصول للمشفى؟
لو كان الأمر متعلقا بالوصول إلى المشفى, و بدون حواجز لكان الوضع أفضل بكثير...

زادت الآلام, كابدت, تحملت, ذهبت للصالة, حتى لا يحس زوجها بها....
هاجمتها موجة عاتية من مغص شديد... تحملتها بصعوبة...دموعها انحدرت على وجنتيها.... توجهت إلى الله:
-     اللهم أستر و خفف الموجة القادمة
مرت دقائق هادئة, أخذت موجة الألم الثانية تشتد, صرخت صرخة عالية رغم أنفها, لم تستطع من الألم كتمانها,
هب زوجها من فراشه, بحث عنها, وجدها تتأوه على كنبة في الصالة, تلاقت عيناهما, أحست و كأنها أذنبت قالت:
-     آسفة يا صابر, لم أستطع التحمل, ولا كتم صوتي
-     الله يسامحك
-     القصة ليست في إيقاظك, بل في اجتياز الحواجز في هذا الوقت
-     إحنا نعمل اللي علينا و الباقي على الله...

اتصل في سيارة الإسعاف, أخبروه انهم سيكونون عنده خلال ربع ساعة, و عليه أن يجهز خلال هذه الفترة...
جلس إلى جانب نسرين, و ضع يده على كتفها, أمسك يدها بيده الأخرى, قالت:
-     أحس بالدفء و الأمان و أنت بجانبي
-     دقائق و تأتي سيارة الإسعاف إن شاء الله
-     إن شاء الله
-     تقومي بالسلامة إن شاء الله, و تأتينا "قدس" زي الوردة, و تملأ البيت علينا بكاء و ضحكا, كم أنا مشتاق إليها, كنت أود أن أمي و أمك على قيد الحياة ليفرحا عليها...
-     يا ريت يا صابر, كانت أمي تتمنى دائما أن ترى المولود البكر لي

ينظر إلى ساعته, مضت الربع ساعة و زيادة, لم تأت سيارة الإسعاف, يتصل مرة أخرى, يجيبه الطرف الآخر
-     السيارة على الحاجز, و الحاجز مغلق, و جاري عمل تنسيق...
-     كم يحتاج ذلك من وقت
-     الله أعلم, و سنأتيك بمجرد الحصول على إذن الدخول..

ينظر بعينين حائرتين إلى نسرين, و هو لا يستطيع أن يقدم لها شيئا, تزداد الآلام, تصرخ بشدة, تتأوه, تئن, يطوقها بذراعيه, و يقول:
-     عما قليل و تصل السيارة
-     إن شاء الله
تمضي ساعات و نسرين تغوص في فترات إغماء, و صابر لا يدري ماذا يصنع,
تداهمه فكرة أن ينادي جارته أم علي, إنها امرأة طيبة, و هي اقدر على التعامل في مثل هذه الحالات, خرج, طرق الباب, سمع صوت أم علي من الداخل و هي تتوجه نحو الباب:
-     خير يا بني
-     زوجتي جاءها المخاض و سيارة الإسعاف لم تأت و هي منذ ساعات على الحاجز
أسرعت أم علي و ارتدت ثيابا لمرافقة الزوج, خرجت معه, دخلا الشقة, اتجها نحو الصالون حيث ترقد نسرين
كانت نسرين هادئة لا حراك فيها, أمسكت أم علي يدها, وضعت راحتها على صدرها, صرخت بأعلى صوتها:
-     حسبي الله و نعم الوكيل على أولاد الحرام
نسرين فارقت الحياة......
عند مطلع الفجر وصلت سيارة الإسعاف, حملوا جثة نسرين نحو المستشفى, الجنين لا يزال حيا, أجروا عملية جراحية لها, خرجت "قدس" تصرخ بأعلى صوتها:

-     أُمـَّــــــــــاه

محمد رمضان / فلسطين ـ خانيونس
mohammadramadan2000@yahoo.co.uk

14.12.2004