عراة و الألف
بقلم : محمد رمضان


(1) نور و قلم

هدم صهيون بيوتهم الصفيحية الحزينة التي أشقاها الشتاء و ملح البحر
لم يبق فيها و لا منها شيء و هي تتطاير على وقع الانفجار الضخم
"حورية" تتدارى عند المساء بين مئات القطع من الركام النائم تحت المطر
بيدها كتاب و دفتر و قلم و هو كل ما استطاعت أن تنجو به من بين أنيابهم
قالت لها أمها: اذهبي و أشعلي الشمعة من بيت خالك على أطراف المخيم
قالت: بل أنوِّرها من قبر حبيبتي الشهيدة أسماء بنت صفي التي كانت تشاركني نفس المقعد
و تغرق عيناها في بحر دموع

(2) مسك

طرقت "حورية" بيت الشهيدة أسماء الساكنة في المقبرة الغربية منذ أيام
غمست يدها في التراب الذي يغطي قبرها و مرغت جسدها الندي في عطره الفواح
وضعت في دمها حفنة من التراب و كأسين من المسك المتطاير
أعطتها أسماءُ قمرا و قالت:
- أعطي كل أهل المخيم من هذا النور الساطع

(3) ألف قبلة

حملت "حورية" القمر في يدها و أحست كأنها تحمل الكون كله
قبلته من وجنتيه ألف قبلة و لم يرتو ِ فمها الطري بعد
سالت دموعها على خديه فرفع يديه و داعب خصلات شعرها الراقصة على جبينها
ضمته الى صدرها و خبأته في أعماق قلبها حتى لا يراه صهيون
أطل القمر من عينيها البريئتين العسليتين يفضح ما كانت تود ان تخفيه
همس القمر في آذان الأطفال الصغار الواقفين تحت المطر
و المرتعشة أجسادهم من لسعات البرد التي ما رحمت الوجنتين و الأذنين
و بأيديهم سورة الإسراء يرتلونها ترتيلا و قال:
- سيروا يا أحبائي خلفنا

(4) مقاومة

احتشد الأطفال ينشدون أناشيد الشهداء الذين مضوا حول "حورية"
و هي ترتدي حلة من أنوار القمر الزاهية الباهية
و عطور "أسماء" تعبق الكون بكل ما فيه و منها يولد الندى
تسير "حورية" كالغزالة وسط الركام و الصفيح و رائحة الدخان و الدم و البارود
وزعت على كل واحد منهم قمرا و درتين من لآلئ التراب
كي يقرأ دروسه و يحل الواجبات و يقاوم

(5) العراة

حمل كل طفل بيده قمرا جميلا و سلة عنب و بلح و تين
و قد مضت على أسرته الأيام الطوال في العراء
وهي تفترش الغبراء و تلتحف السماء
ولا تجد الماء و لا الغذاء
و لا الدواء و لا الكساء
بعد أن هدم صهيون بيوتهم
خبئوا الأقمار في دمهم و الدرر في العروق فصهيون يلاحقهم و يطارد منهم الأحلام

(6) الطعام

أطعم الأطفالُ الآباءَ و الأمهات و الاخوة و الأصدقاء و الجيران و العصافير و الفراشات
بقي الطعام كما هو و كأنما لم يأكل منه أحد
وزعوا منه على المخيم كله و لم ينقص منه شيء بعد
قالت "حورية" لأترابها:
- أطعموا كل الناس و رشوا ما تبقى المسك على عرائس الفراش

(7) الفرار

امتلأت قلوب الأطفال نورا و ما عاد للدم فيها من نصيب
توضأ الأهل من النور و لم يعد للماء بين أيديهم من وجود
جاء صهيون يحمل الحقد و يهدم بقية الصفيح العنيد
لم يجدوا غير أنوار ٍ تتلألأ في كل مكان بعيد كان أو قريب
تصدت لهم "حورية" بأنوارها و قريناتها و الضفائر و العيون العسلية
تدخل الأنوار المنطلقة من عيون الأطفال عيون العد فتعميها
ارتعد صهيون و هرب كمن فر من قسورة فما عاد له من وجود فيها

08 / 01 / 2005
محمد رمضان ـ فلسطين- خانيونس
mohammadramadan2000@yahoo.co.uk