مـحمد رمضـان

بيت حانون ....... فشل إعلامي
و درس للأعداء و درس للوزراء
بقلم : محمد رمضان


استطاعت بلدة بيت حانون الهادئة و الجميلة أن ترسم خطوطا مضيئة حول مفهوم و استراتيجية الصراع في المنطقة و ذلك على مستويين : الأول هو الصراع مع الصهاينة حيث لقنتهم المقاومة درسا رائعا و اعترف العدو على مستويات عدة بفشل العملية , و المستوى الثاني هو رسالة قوية إلى السلطة الفلسطينية حول ضرورة التغيير الجذري للفساد المستشري في أركانها و العصب و ذلك بطرق ووسائل حضارية تليق بصمود و مقاومة هذا الشعب, كل ذلك في ظل فشل إعلامي فاضح في إدارة المعركة مقارنة بنجاح باهر في الإدارة الإعلامية للمعركة في رفح.

و بعد عملية عسكرية استغرقت ما يزيد على الشهر و سقط فيها عشرات الشهداء و الجرحى وتم تدمير الآلاف من الأراضي الزراعية الخصبة و التي تسد الرمق الغزاوي بل و الفلسطيني بما يحتاجه من منتجات زراعية و غذائية, أعاد جيش الاحتلال توزيع مواقعه حول البلدة الجريحة. و برغم الجرح النازف في الجسد الحانوني النحيل فان هذه البلدة الهادئة استطاعت ومن خلال هذه العملية الصهيونية أن تلقن الأعداء و الوزراء درسين هامين لا ينبغي للطرفين نسيانهما أو غض الطرف عن العبر و العظات المستوحاة منهما .

أول هذه الدروس هو أن الاحتلال الصهيوني و بكل آلته العسكرية الضخمة و الجبارة لم يستطع أن يفت عضد هذه البلدة الصغيرة, حيث خاضت العديد من العمليات المختلفة للمقاومة بشتى أنواعها ما بين اشتباكات ميدانية مسلحة و نسف دبابات و بلدوزرات و قتل ضباط استخبارات كما حدث أثناء اقتحام منزل الشهيد القسامي ناهض أبو عودة الذي أذاق القوة الخاصة التي اقتحمت عليه بيته نيران بندقيته حتى ارتقى إلى العلا شهيدا و لم يستسلم. إضافة إلى إمطار مستوطنة سديروت بما يزيد عن خمسة و ثلاثين صاروخا من طراز "قسام" و هو عدد قياسي يكاد يكون بمعدل صاروخ لكل يوم من أيام الاحتلال للبلدة. بينما بلغ العدد الإجمالي للصواريخ التي أطلقت في القطاع و منه حوالي مائة صاروخ و هو الأمر الذي أزعج المؤسسات العسكرية المختلفة كالجيش و الاستخبارات إضافة إلى المؤسسة السياسية التي اعتبرت العملية فاشلة على مستويات عدة, فطالبت أصوات مختلفة بالانسحاب و ذلك لعدم تحقيق هذه العملية أهدافها المبتغاة منها. حيث اعتبرت الصحافة العبرية نهاية العملية نوعا من الهروب, بل إن وزير الدفاع نفسه و قادة عسكريون آخرون أعلنوا أن القضاء على صواريخ القسام إنما هي عملية معقدة و تحتاج إلى وقت طويل و جهد و صبر و تعاون جهات مختلفة, و هذا التصريح في حد ذاته إنما هو اعتراف صريح بهزيمة الجيش الصهيوني في بلدة بيت حانون. حيث أن النصر لا يقاس بمقدار ما حصل من دمار خلال المعركة لهذا الطرف أو ذاك إنما بمدى تحقيق طرف ما لأهدافه المعلنة أو غير المعلنة للخطة العسكرية التي خاض المعركة على أساسها. و من هنا فقد كانت هذه العملية و كما هو مخطط لها أن تتم في أيام معدودات, لكن قوات الاحتلال أحست أنها لن تستطيع ذلك نتيجة تغيير واضح في استراتيجيات و تكتيكات المقاومة, حيث أصبح الاعتماد الأساسي على ضرب العمق الصهيوني بصواريخ فلسطينية و ذلك في رسالة واضحة الهدف و هي أن لا جدوى من جدران الفصل العنصرية بأنواعها المختلفة سواء في غزة أو في الضفة أو حتى على الحدود مع مصر. و بهذا أوقفت المقاومة تطبيق الجزء الثاني من الخطة و هو اجتياح بلدة و مخيم جباليا, حيث شنت الصحافة الصهيونية هجوما عنيفا على الخطة و نتائجها و توقعت نتائج أكثر سوءا اذا ما تم اجتياح جباليا.

و الدرس الثاني الذي لقنته بلدة بيت حانون كان لوزراء من السلطة الفلسطينية و الذين زاروا البلدة عقب إعادة تمركز القوات الصهيونية على أطراف البلدة حيث وصل إلى البلدة غداة مغادرة الصهاينة لها ثلاثة وزراء و محافظ الشمال و بدءوا بعقد مؤتمر صحفي حول أوضاع البلدة و خطط إعادة الاعمار إلى آخر النغمة الموسيقية المعروفة و هنا وصل مقاومون فلسطينيون إلى المكان و ألقوا بيانا مقتضبا طالبين من السادة الوزراء مغادرة المكان على الفور, و قد حاول المسئولون محاورة المقاومين, لكن لم يكن لدى المقاومين أي مجال للأخذ و الرد و الحوار و التفاوض, و بالتالي انسحب الوزراء و المحافظ على مغادرين البلدة الجميلة و حسب الأوامر و ربما إلى غير عودة.

تحمل هذه الحادثة العديد من الرسائل إلى السلطة الفلسطينية و إلى هؤلاء الوزراء, أول هذه الرسائل هي ما أدلى به أحد المقاومين خلال المؤتمر الصحفي و هي أين كنتم خلال الشهر الماضي و قوات الاحتلال تصول تدميرا و تقتيلا في البلدة. لقد أثبتت معركة بيت حانون فشلا إعلاميا فاضحا في إدارة الأزمة على جميع المستويات سواء المحلية أو الإقليمية, فلم يكن للإعلام الفلسطيني و لا للمسئولين الفلسطينيين ذلك الحضور في الوسائل الإعلامية المختلفة, الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد المعركة, عكس ما قام به الإعلام أثناء اجتياح رفح, حيث لعب دورا بارزا و أدى إلى تكثيف الضغوط الدولية و الإقليمية على الصهاينة, مما أدى بقادتهم حينها إلى الاعتراف و بصراحة بنجاح الفلسطينيين في إدارة المعركة من الناحية الإعلامية. هذا النجاح كان لا بد من استثماره و تكراره في الحالة الحانونية بعد نجاح التجربة الأولى في رفح.

و الرسالة الثانية التي تحملها هذه الحادثة هي أننا لا نرغب فيكم كممثلين لسلطة تتسم بالفساد و الإفساد على حساب قوت الشعب و قوت أطفاله على امتداد جرح الوطن.

و الرسالة الثالثة هي وجوب ممارسة التغيير الفعلي و الجذري على الأرض بطريقة مقبولة و مقنعة و ليست كنوع من ذر الرماد في العيون أو محاولة الالتفاف على إرادة الشعب.

أما الرسالة الرابعة فهي نحن نريد التغيير ولكن على أسس و قواعد غير التي حاولت الأحداث الأخيرة في غزة أن تقيم عليها مشروع التغيير فليس هناك أدنى شك لدينا أن التغيير يجب أن يكون ذا أبعاد وطنية و استراتيجية تصب في ا لمصلحة العليا التي يحددها الشعب و ليس مجموعة أفراد.

و الرسالة الخامسة هي أن المطالبة بالتغيير يجب أن تتم بأساليب و طرق سلمية و ليست عن طريق الاختطاف أو تدمير المباني و المؤسسات التي هي ملك للشعب أولا و أخيرا.

و الرسالة السادسة موجهة إلى الذين قادوا التمرد في غزة, وبرغم الاقتناع بالتغيير, لكن الوقت لم يكن ليسمح, و الأشخاص ليسوا هم المرغوب فيهم للقيام بعملية التغيير أو حتى أن يكونوا جزءا منها, من هنا كانت الرسالة أنه و في الوقت الذي يكون فيه الجسد الفلسطيني معرضا للهجوم من قبل الأعداء, فانه لا تهاون مع من يحاول بقصد أو بغير قصد أن يحول اتجاه البوصلة الفلسطينية على فوهات البنادق.

و بعد فلقد استطاعت هذه البلدة أن تقدم دروسا فذة للإعلام و للأعداء و للسلطة الفلسطينية ووزرائها الاماجد.

محمد رمضان ـ فلسطين

تاريخ النشر : 08:43 12.08.04