مـحمد رمضـان

الشعر المقاوم : نحو صياغة شعرية و نقدية
بقلم : محمد رمضان


لعل من أحد أهم أنماط الأدب المعاصر و الذي ساهمت القضية الفلسطينية في إبرازه للقارئ العربي هو الشعر الذي أطلق عليه "شعر المقاومة". و هو الشعر الذي تسلل إلى القارئ العربي عبر العديد من النوافذ التي كانت متاحة في عقود الخمسينات و الستينات و السبعينات من القرن الماضي. وقد كان لشعراء فلسطين من أمثال محمود درويش وسميح القاسم و هارون هاشم رشيد و فدوى طوقان و العديد غيرهم قصب السبق في تأسيس هذا النوع الجديد من "القصيد".

و خلال هذه الفترة إكتظت السجون بالمقاومين الذين أخذوا يصوغون تجربة جديدة وراء القضبان يصنعون بها إرثا جديدا للمقاومة و يسطرون أروع ملاحم المواجهة بين "السجان" و "السجين" المقاوم. و لقد أخذت الكثير من الأشعار بل و الأعمال الفنية المقاومة تخرج إلى النور من ظلام السجن و ذلك قبل خروج "المقاوم". و لقد كان المقاومون في ذلك الوقت يهربون أعمالهم بالعديد من الوسائل التي كانت تتحدى كل جبروت السجن و السجان مما يصيب المحتل بحالة من الرعب عن كيفية تواصل السجين مع مجتمعه. و لقد أطلق على هذا النوع من الابداعات الأدبية "أدب السجون" و التي بإمكاننا أن نصنف جزءا منها هنا تحت إسم "شعر السجون" و الذي أطل علينا قبل أيام شاعرنا "باسم الهيجاوي" بقصيدة جميلة يبدو انه قد رسم لوحتها أثناء تواجده وراء القضبان (قرية حزيران القتيل ـ من أدب المعتقلات, دنيا الوطن June 06)

ويمكننا تعريف شعر المقاومة بأنه تلك الحالة التي يعبر فيها الشاعر و بعمق و أصالة عن ذاته الواعية لهويتها الثقافية و المتطلعة إلى حريتها الحقيقية في مواجهة المعتدي في أي صورة من صوره, منطلقا من موروثه الحضاري و قيمه المجتمعية العليا التي يود الحياة في ظلها والعيش من أجلها.

فالمقاومة هي مشروع حضاري أصيل لا يستطيع أحد مهما كان سلطانه و جبروته الوقوف أمام سيل هادر من إرادة شعب أو أمة ليمنعهم من تحقيق أهدافهم المشروعة و التي تكفلها شرائع السماء و مواثيق الأرض بكل أنواعها و مشاربها. و من هنا إستمدت المقاومة الفلسطينية شرعيتها الكونية و ذلك بتعاطف كل شعوب الأرض معها. و في هذا المجال تبرز أهمية و دور الشعر المقاوم كشعر رسالي أحد أهم أهدافه العمل على إستمراية شحن الحس المقاوم ليس فقط في شرايين الشعب صاحب القضية بل و أكثر من ذلك في اتجاه نحو دائرة "العالمية" بل و إن شئت "دائرة الكونية".

لقد حظي الشعر المقاوم باهتمام العديد من دور النشر العالمية و بلغات متعددة, و كان الشاعر الفلسطيني الرائد محمود درويش من بين أؤلئك الذين تمت ترجمة العديد من أعماله الى لغات مختلفة. و درويش نفسه يقول لقد حظيت بعض أعمالي بالترجمة بأكثر مما تستحق في بعض اللغات بينما لاقت أقل مما تستحق في لغات أخرى.

ولعل جزءا هاما من "رسالية" الشاعر الفلسطيني هو تعميق و تجذير "الإنتماء المقاومي" في ذات المواطن الفلسطيني و العربي و الوصول به الى حالة الاحساس الدائم ب"وجودية" المقاومة على الأرض أو حتى تحت الأرض. ومن هنا كان الكلمات المشهورة عن موشيه ديان بعد حرب 1967 و هو يعلن بكل وضوح أن قصيدة يكتبها "شاعر مقاوم" تعادل عنده عشرين "فدائيا". بينما يقول محمود درويش بأنه قد تلقى تهديدا بعدم قرض الشعر أو إلقائه عندما ألقى أول قصيدة له في المدرسة.

إذن ف"الشعر المقاوم" هو الذي يستنهض الأمة من سباتها و يوقظها من نومها العميق, و يعمل على تحريك المشاعر و الأحاسيس وهي مخرجات لا تتأتى إلا بوجود عوامل تحفيز كالاحتلال و الغزو و الاضطهاد الذي تتعرض له الدول و الشعوب.

ومن هنا فإن للشعر المقاوم سمات قيمية أساسية أهمها :
1-     البعد الجماعي
2-     البعد الإنساني
3-     معرفة الآخر

و عليه فإن هذا المقال يحاول إعطاء لمحة مقتضبة عن الشعر المقاوم و ذلك من أجل فتح هذا الباب أمام المهتمين و الدارسين و الباحثين من أجل تأصيل هذا النوع من الفنون وصياغة نظرية شعرية و نقدية خاصة به.

محمد رمضان ـ فلسطين
تاريخ النشر : 00:05 02.08.04