مـحمد رمضـان

في "واحة" الديمقراطية يتحول "الأسير" و "الشهيد" إلى رقم
بقلم : محمد رمضان


في واحة الديمقراطية, و في الأنموذج الغربي للدولة المزروعة فوق صدورنا, تكتم أنفاسنا و تشرب ماءنا و تقتل أطفالنا و تأسر المقاومين أطفالا و نساء و شيبا و شبابا, في هذه الواحة النموذجية يتحول الإنسان إلى رقم, مجرد رقم, لا اسم له, يصادرون الاسم, و يعذبون الجسم حيا و ميتا في "جنة سموها موعودة".

كرامة الإنسان هي رأسماله, و عزة الإنسان هي المشروع الذي يجب أن تعمل كل حكومة أو مجموعة من الحكومات على تحقيقه و الوصول إليه بكل الطرق و الوسائل الشرعية و القانونية المتاحة و دون هضم حق الآخرين في حياة كريمة. معظم الدول تسعى إلى ذلك عدا مجموعة (كل) الدويلات العربية و دولة تقع في قلبها (.....) تبني مجدها و كرامتها و عزتها بدوس كرامة و عزة "شعب" أو بالأحرى "شعوب أخرى" و حكامها و قادتها مع احترامنا الشديد لهؤلاء "الحكام", لكن هذا هو الواقع الذي لا نستطيع إغماض أعيننا عنه.

الشرفاء من أبناء فلسطين يقبعون في معتقلات (صديقة) بيننا (العرب) و بينهم اتفاقيات سلام و معاهدات و علاقات و سفارات و (بزنس) و ما وراء الستار هو انكد و أنكى وما خفي كان -و بلا أدنى شك- أعظم, هؤلاء الشرفاء الأبطال و القادة العظماء من الشيوخ و الأطفال و النساء و الشباب تم إلغاء أسمائهم التي سمتها لهم أمهاتهم و آباؤهم, و تم تجريدهم من أدنى الحقوق الإنسانية, و هي أن تحمل "اسما" تحبه و يحبك, يخاطبك الناس به, و يحبه أبناؤك و يعتزون به حينما ينسبون أنفسهم إليك, و تحبه بناتك و ينادونك "بابا", و هن يتمرغن على صدرك و يقبلنك كأجمل ما تكون القبل التي عرفها الجنس البشري, و تعتز بناتك بهذا الاسم حينما يأتيهن الخاطبون بأنهن بناتك ويشدون بأرواحهم و شفاههم باسمك الجميل الذي لا يحبون- ربما- سواه.

هؤلاء الشرفاء الأبطال و القادة العظماء استبدل بنو صهيون أسماءهم بأرقام مثل (2894234) و يا ويل من لا يحفظ رقمه الطويل, كما يحفظ فاتحة الكتاب في قرآننا, يغدو الإنسان الشريف رقما و قد كرمه الله باسمه, فهو الذي علم آدم الأسماء كلها, فالأسماء من نعم الله على عباده, و ينادي عليهم يوم الحساب الأكبر بأحب أسمائهم إليهم. إنها العقدة الصهيونية التي تحب دوما, بل و تتشفى في إذلال "الفلسطينيين" و من لف لفيفهم من العرب العاربة أو المستعربة المحيطة بهم. و لعل هذا النوع من الإذلال هو من أدنى أنواع امتهان كرامة الإنسان فوق أرضه و ترابه و بين أشجاره و أزهاره و رماله.

فالعنصرية البغيضة التي يرقبها الكون كله دون أن يجرؤ "شريف" هنا أو هناك من الذين يسمون أنفسهم كذلك, على انتقاد أو لوم أو إدانة أو استنكار أو شجب ما يتم اتخاذه من إجراءات قذرة في حق أبطالنا الرابضين خلف القضبان, فوزير سجونهم يتبجح أمام "آلهة الكون" -وسائل الإعلام- بأنه سيترك هؤلاء الأسرى يموتون جوعا أو يفكوا إضرابهم عن الطعام, هكذا, بلا إنسانية مطلقة و بلا شفقة و بلا رحمة, و دون أي اعتبار للقيم و الأخلاق الإنسانية إذا كان ثمة هنالك من قيم. مثل هذه التصريحات يسمعها الجميع و هم يضعون "في أذن طين و في الأخرى عجين". لقد بات الفلسطيني يدرك إدراكا كاملا أن ما يتم من شجب عربي هنا أو هناك إنما يقع ضمن "المرسوم" و المتفق عليه مسبقا بين "اللاعبين" في الملاعب "الإقليمية" و "الدولية" لأن "الحَكَم" هو كبير اللاعبين و هم -"اللاعبون"- الصغار, لا حول لهم و لا قوة, فصافرة الحكم هي الكارت الأحمر الذي يودي بهذا اللاعب أو ذاك إلى خارج الملعب و اللعبة, و يتم إجراء "فحص أسنانه" على الملأ و لسان حالهم يقول "وما صدام عنكم ببعيد".

و الشهداء و الاستشهاديون أيضا لهم نصيب في لعبة "الأرقام" فمقابرهم في أرضهم إنما هي عبارة عن أرقام, و هناك العديد من المقابر و القبور في "الواحة الديمقراطية", تحمل أرقاما لشهداء قدموا أرواحهم فداء للوطن و المقدسات التي يدوسها من لا يرقبون فيهم -ولا فينا- إلاً و لا ذمة".

فإلى متى يا "أعرابنا" و يا أصحاب المذهبية "اللاعنفية" و يا أيها المرتادون للسفارات و مكاتب الأعمال و الاستيراد و التصدير و الاتفاقيات و المعاهدات و المراسلات و الصداقات السرية منها و غير السرية؟؟؟ كنا نصدقكم يوم قلتم إنكم سوف تستثمرون كل ذلك لخدمة "القضية", و اليوم نسبح معكم في المثل القائل "الميه بتكذب الغطاس" فهل من مجيب؟؟ و هل بعد "سلمية" و "لاعنفية" الإضراب عن الطعام من مقاومة حسب "منهجكم" الجديد أو بالأحرى "دينكم" الجديد؟؟

محمد رمضان ـ فلسطين
تاريخ النشر : 20:07 01.09.04