إعادة إكتشاف المشرق ألعربي ثقافة وحضارة ودينا
في معرض فرانكفورت للكتاب

إعداد محمد سليمان د. هندسه وباحث - ألمانيا

على الرغم من المآخذ والانتقادات التي ألصقت بهذا المعرض إلا أن مجرد انعقاده بهذا الحجم والكيفية والتركيزودعوة العرب ليكونوا ضيوف شرف على المعرض في قلب اوروبا وفي المانيا بالذات هو حدث لا يجوز ابدا التقليل من أهميته !!
لقد انعقد المعرض تحت شعار "الحضارة غير قابلة للتجزأه " ولا يجوز ان تتصدع جسور التواصل بين المشرق والمغرب

نحن كعرب نعرف أننا في وضع المخاض المحفوف بالصعوبات والصراع الدامي من اجل الانقاذ ثم البقاء ومعاودة الانتاج والحياه! ولا يجوز لاي منا أن يعلن وفاة المولود قبل ان يصبح مواطنا له حق الحياة على كرتنا الارضيه !!

يجب أن نعلم - والكل يعرف ذلك - أن الهدم أسهل من ألبناء وان العمل بهذا المعول ينسف كل الجهود البناءة ويقوض بنيان الحياة وكما نصح الكاتب العربي المشهور - محمد حسنين هيكل - إننا نحتاج إلى ألايمان والإرادة وبذور التفاؤل والتقدير والا فما علينا الا ان نحفر القبر لانفسنا ونقضي وننتهي وكان الله في عون تمود وزوالها من الوجود !!

عند الافتتاح قال المستشار الالماني أننا نعتز ونقيم تلك الصلات الحضاريه بين المشرق واوروبا ولن نسمح لاي كان ان يدمر هذا الرصيد الانساني الحضاري ومن يريد ان يفعل ذلك فلن يجدنا مطلقا الى جانبه ! إن الارهاب هو إعلان حملة كفاح ضد كل الحضارات ولكنه ليس نزاع بين الحضارات وعلينا ان نكون واعين لصد المساعي التي تريد ان يفسر ذلك بانه نزاع الحضارات ّّإن عهود الظلام قد ولت الى غير رجعه !!

اما نجيب محفوظ الذي دعي كضيف شرف فقد اعرب عن شكره لذلك وقال : إنني سعيد بهذه الدعوة ولكنني عاتب على الغرب الذي سمح لوقت طويل ان ينقضي ونسي اننا في جوار ولم يكتشف ذلك الا حين شعر بان أمنه بات مهددا فعاد مجددا ليكتشف الحضارة الاسلامية والثقافة العربيه ليعرف أن هذا العربي ليس بالغريب البعيد العجيب وإنما هو الجار القريب !!

إن الحضارة ترتكز على أعمدة الثقافة المصرية والاسلامية والتقدم العلمي الصناعي في الغرب وتلك كلها انجازات تكمل بعضها وتصب في مصلحة البشرية جمعاء وليست حكرا على مجموعة قبل أخرى !!
أما معرض فرانكفورت للكتاب فقد شاركت فيه كل الدول والاقطار العربيه سواءا بصورة رسميه مندوبة عن الوضع الرسمي السيء الذكر أو مشاركين من القطاع الخاص وحضر أكثر من 200 من الكتاب العرب والفنانين والمثقفين والناشرين والعاملين في حقول الاعلام واالمعرفة والتحليل والشعر من أمثال محمود درويش وصحر خليفه وطاهر بن جلون وآسيا جبر وحضره كثير من الساسة في المانيا مثل المستشار ووزيرة العدل السابقة حيث تحاورت مع السيده صحر خليفه في احد محاضراتها عن اوضاع الطفولة والعوائل في المحرقة الجارية على اهل فلسطين في غزة والضفة كما وان السيده سوزان مبارك وأمين عام الجامعة العربيه وممثل السلطة الفلسطينية في المانيا قدموا للمعرض وكان لحضور هؤلاء بسياراتهم الفخمةوعديد من الحرس لحمايتهم اسوأ الاثر حيث يعلم الجميع عما هو في بلداهم من فقر وعوز هما على النقيض من هذا الحضور المتبجح بالفخفخة والاسراف والتبذير والذي اعطى أردأ إنطباع وكشف عما يختلج في النفوس ويفضح عما يجري من فساد !!
ولكن هذه سنة الله في خلقه الى ان يقضي امرا كان مكتوبا !!
ولقد كان هناك حوار ونقاش حول الاسلام والمرأة وحقوق الانسان والديموقراطية في المجتمعات الشرقية وكان عدد العارضين اكثر من السنين السابقه ووصل هذا العام اكثر من 6700 جاءوا من 111 بلدا وقال السيد فولكر نويمان رئيس المعرض بان فرانكفورت باتت مدينة رائده وبغير منازع للمعارض والمواسم السوقيه !!
هذا وقد وفد الى المعرض الكثير من الوجوه الرياضيه والفنية والابداعية العالمية وحملة جوائز نوبل امثال غونتر غلاس واشترك اكثر من 1000 مؤلف عارضين بعضا من انتاجاتهم وحظيت فعاليات النشر الشبكي والسينمائي والترابط بين المنتج والناشر والموزع بدفعة قوية نحو الامام وكان المعرض معرض عمل ولم يكن فقط للهو والتسلية مما زاد في ابداعه وحصيلة انتاجه!
وعلى الرغم من ان الغرب يتمنى ان ينسى العرب فلسطين وما يجري من مذابح لاهلها وان ينضموا الى جوقات رسمييهم ورؤسائهم بالانحناء امام العربدة الاجرامية في بلدانهم إلا أن القضية الفلسطينية والظلم الواقع على اهلها كان حاضرا في معظم المؤلفات العربيه التي تم عرضها ! الامر الذي حاولت الايدي الصهيونية والمتصهينه منعه بتوجيه تهمة اللاسامية
ولكن القضاء الالماني وقف صامدا ومنع التدخل في منشورات عالمية وتخص مناطق من المعموره تعنى بمشاكلها واستفلاليتها !
ومن الجدير بالتنويه عنه أن جميع المكتبات ودور النشر ومحلات بيع الكتب في طول البلاد وعرضها اكتست حلة الثوب العربي وعرضت كل ما وصلت يدها اليه من نتاج المشرق وفنونه ومزخرفاته ومنحوتاته وقلائده وحلاه وملابسه وقد لاقت كلها رواجا كبيرا وكانت التساء تتزاحم لتكون السباقة في الشراء !!
إن كل من ساهم أو اشترك في المعرض وساعد في أداءه من المهجرين العرب ومن حضر من بلداننا الكادحة والمثقلة بالهموم والمصائب والويلات والقهر والعدوان يستحق الشكر والتهنأه

أما الانتقادات التي روجت هنا وهناك عن تقصير في الدور العربي ومسلك الجامعة العربية وعدم دعوة مغتربين من كندا واستراليا وغيرها وكذا الشجار والعراك بين دول خليجية واخرى وعدم المشاركة الماليه لصقل الوجه العربي في هذا المعرض فهو قدر حبانا الله به وعلينا التعلم والتعامل معه كلما امكن الى ذلك سبيلا !
ومن حسن الطالع ان التعليقات والتقارير عن المشاركة العربيه كانت حتى آخر ايامه ايجابية جدا ولو ان الحاقدين عل امتنا واصحاب المحرقة في فلسطين اجتهدوا في النهاية لقلب الصورة ومسخها بالسواد قبل ان تزداد نصاعة وبياضا !!
وهكذا فان العالم لم يخلق بين عشية وضحاها وعلينا ان لا نساهم في الهزيمة النفسية فنفقد الارادة والثقة في انفسنا فتتم الهزيمة الساحقة بسهولة وبكل هوان لنا لا سمح الله

إعداد محمد سليمان د. هندسه وباحث - ألمانيا
12- 10-2004