إغتيــــال أوديـــب
بقلم : د. محمـد احمـد النـابلسي *


      عقب الحرب العالمية الثانية وبعد القاء قنبلتين نووييتين على اليابان غير الاميركيون تسمية وزارة الحربية فأسموها بوزارة الدفاع. ومن مهام الوزارة المتحولة تنظيم المخابرات الاميركية واتباعها بفرع دراسة الشخصيات القومية للأمم الأخرى (الأنثروبولوجيا الثقافية).

ومن نقاط الضعف الاساسية في الشخصية العربية ، وفق الدراسات الاميركية، مسألة إنتهاك العرض والإذلال الجنسي. وهذا يفسر التركيز على هذه النواحي في الجرائم الأخلاقية في سجن أبوغريب وتوابعه بحق الأسرى. وفي الإطار عينه تندرج مسألة نشر صور صدام في ملابسه الداخلية.

      من جهته يقول الجيش الامريكي إنه يحقق بشكل عاجل في الموضوع. وتقول الولايات المتحدة إن الصور قد تعتبر انتهاكا لاتفاقيات جنيف الخاصة بالمعاملة الانسانية لاسرى الحرب. وجاء في بيان للجيش الامريكي قوله: "إن القوة متعددة الجنسيات في العراق تعبر عن اسفها لاحتمال ان يكون شخص من منتسبيها مكلف بضمان امن ورعاية صدام قد التقط هذه الصور وقام بتسريبها لوسائل الاعلام."

      وقال جراهام دودمان رئيس تحرير الصحيفة لبي بي سي: "لقد فكرنا مليا في موضوع نشر الصور، ولكننا قررنا انها صور مثيرة لاكثر ديكتاتورات العالم وحشية لن تتردد اية وسيلة من وسائل الاعلام الأخرى في نشرها." ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية امريكية قولها إنها قررت نشر صور تظهر صدام ككهل متواضع بأمل التأثير على معنويات المقاومة المسلحة في العراق. ونقلت الصحيفة عن مصدرها قوله: "من الضروري ان يرى العراقيون صدام بهذه الوضعية من اجل دحض اسطورته." مما يعني أن الصور تأتي في سياق الحرب النفسية الأميركية على العراقيين. وبما ينفي الأسف الذي إصطنعه بيان الجيش الأميركي.
أما عن تتمة إعلان العار فجاءت عبر مقابلات متلفزة تسأل جمهور العراقيين عن موقفه من هذه الصور. وبطبيعة الحال إنقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض. وهو إنقسام من ضمن الشخصية العربية أيضاً. على عكس الشخصية الصينية مثلاً. حيث يذكر نيكسون في مذكراته أن ماو تسي تونغ رفض كلام نيكسون السلبي عن عدوه الصيني الآخر تشان كاي تشك. وهذا الفارق يبين هامشاً واسعاً للكرامة القومية العربية. وهو الهامش الذي توظفه الولايات المتحدة في سياساتها الجديدة في المنطقة العربية.

والقراءة السيكولوجية لنشر هذه الصور ووضعها قيد التداول الفاضح تميز بين الصعد التالية:
1. تهديد المارقين العرب : ما لم تتم الإشارة له هو أن نشر صور صدام هو تهديد للزعماء العرب المارقين على الإرادة الأميركية. فكل ممانع منهم قد يجد صوره ذليلاً في ملابسه الداخلية. ولم يفت إدارة السجن أن تشير الى أن سلوك صدام من أفضل تصرفات المساجين العراقيين. فربما نشرت صوره على غرار صور أبو غريب لو لم يكن بمثل هذه الدماثة. فهل من مسؤول عربي يجروء بعد ذلك على مناوءة الأمركة؟.
2. على الصعيد الشخصي : بعد الإطلاع على تقنيات التعذيب الميركي في أبو غريب وغوانتانامو نستطيع التأكيد على تعرض صدام حسين لإذلال غير متوقع. وفي إعتقادنا أن إذلال نشر هذه الصور لم يعد صادماً لصدام.
3. على صعيد الجمهور العراقي : بعد إحتلال العراق تكرس الإنقسام العراقي. والإختلاف على الموقف من صدام حسين هو أحد وجوه هذا الإنقسام. وبالتالي فمن الطبيعي أن يؤدي نشر هذه الصور الى تعميق هذا الإنقسام الداخلي. ومن هنا الضرر المرافق لإستفتاء رأي العراقيين حول الموضوع.
4. على صعيد الجمهور العربي : هذا الجمهور يتعاطف عامة مع صدام بصفته المعنوية على الأقل. فهو لا يريد أن يرى رموزه قيد الإعتقال لدى المحتلين الغرباء. لكن صدمة هذه الصور مخففة لدى هذا الجمهور بالمقارنة مع صور اعتقال صدام الشديدة الإذلال.
- وهذه الصور قد تكون تكراراً لمأساة أوديب حيث ثنائية العواطف تجعل بعض الأبناء يفقأون عيونهم لهذا المنظر. في حين يظهر بقية الأبناء كفايتهم للمنظر ذاته.
- الأهم أن إتفاقية جينيف وحقوق الإنسان لا تقران هذه الممارسات ولقد احتجت دوروثيا كرميتساس الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر على نشر الصور قائلة إن نشرها مخالف للقانون، وان القوات الامريكية مسؤولة عن ضمان خصوصية المعتقلين لديها مضيفة بأن التقاط الصور لصدام ونشرها ممنوع دون شك.
ولكن ماهي الفائدة الأميركية المتوخاة من نشر مثل هذه الصور؟ إنها متعددة الفوائد ومنها:
1. الإمعان في الإذلال والتهرب من المحاكمة المؤجلة لصدام.
2. الرد على تكذيب صدام عن طريق محاميه لظروف إعتقاله. حيث اكد أنه ظروف لفقتها المخابرات الأميركية.
3. التذكير بالقدرة الاميركية على الإذلال المعنوي في مقابل العجز العسكري أمام المفاومة العراقية.
      والقوة العظمى تسخر بأي إحتجاج عربي أم عالمي أمام مسرحية الكراسي التي تخرجها في بلادنا. حيث جمعينا ننتظر سقوط السقف على رؤوسنا. فلا يبقى أمامنا سوى الهتاف العبثي لقد قتلنا اوديب... لقد أسقطنا صدام... لايهم مئات آلاف القتلى العرب فالديمقراطية الأميركية قادمة لحظة سقوط السقف فوق رؤوسنا...

* الدكتور محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية

30/05/2005