مناورات تركية على حدود الذات العربية المنهارة

قد يرى في السراب آمالاً واعدة ، كل من جفت لديه ينابيع المبادرة الذاتية ووصل به الأمر إلى حد الإدمان على هذا الجفاف ، كما هو الحال لدى الإنسان العربي .
فلا عجب إذن ، أن يبدأ الساسة الأتراك بمناورات على حدود الذات العربية المنهارة بعد أن فقدت تركيا بإحتلال الأمريكان للعراق ، كل ما لديها من أوراق رابحة عدا تلك المتعلقة بما كان يُسمى قديماً بـ "النزاع العربي الإسرائيلي" ، فهي تشعر الآن بنفس الشعور الذي ينتاب الطفل المركون في إحدى زاويا البيت وعليه أن ينظر إلى إخوته وهم يتقاسمون فيما بينهم دجاجة مشوية .
ولكأن الساسة الأتراك بتصريحاتهم الأخيرة والتي تضمنت إنتقادات غير مسبوقة لسياسة "إسرائيل" الإجرامية تجاه الفلسطينيين ، لكأنهم يودون الصراخ على مسامع بوش قائلين : فين وعودك .. تلك الوعود التي قطعها على نفسه بوش الإبن ومن قبله كلينتون بممارسة الضغوط على الدول الأوروبية لقبول عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي إذا ما وافقت هي على إمداد "إسرائيل" بمياه للشرب وعقدت معها صفقة تحديث أسلحتها .
تركيا التي فعلت كل ما طلبه الأمريكان منها وزادت عليه بأن لبت المطالب الأوروبية وخففت حكم الإعدام عن الزعيم الكردي أوجلان وفتحت سجونها للمفتشين الأوروبيين وقامت بتعويم عملتها حتى الغرق وما إلى ذلك من أشياء ، تنبهت أخيراً لحقيقة أنها ومهما فعلت فإنها ستبقى مرفوضة من الأوروبيين ، خصوصاً بعد أن سمع الأتراك تصريحات بهذا المعنى من الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الإيطالي وغيرهم العديد من الزعماء الأوروبيين .
إذن ، فالأسباب التي دفعت بالساسة الأتراك لمشاكسة "إسرائيل" ، ليست نابعة من خوفهم على الشعب الفلسطيني المظلوم ولا هي تحول جذري في السياسة التركية ، كما يبدو للبعض ، بقدر ما هي نابعة من رغبة الساسة الأتراك بالثأر لأنفسهم من الأوروبيين ومن الإدارة الأمريكية التي لم تفي بوعودها لهم .
لكن وبالرغم من معرفتنا للأساب الحقيقية من وراء إطلاق الساسة الأتراك لتصريحاتهم الأخيرة ، إلا أننا مطالبون بالتعامل مع تلك المستجدات والترحيب بها وذلك إعلامياً وشعبياً دون النظر لما سيفعله الحكام العرب ، فهؤلاء يفتقرون إلى شيء إسمه الأخذ بزمام المبادرة .

احمد منصور ـ المانيا