عمر سليمان وعرفات والمقايضة

إن أشد أنواع السقوط ألماً ، هو ذلك النوع الناتج عن حجر عثرة يضعه الإنسان بنفسه لنفسه

كما هو الحال بعد كل مجزرة ترتكبها الآلة العسكرية الصهيونية في حق شعب فلسطين الأعزل ، يبدو هذه المرة وكأن مجزرة حي تل السلطان في رفح قد مهدت الطريق أمام المزيد من متاهات مشوار السلام التي لا تنتهي .
ولا غريب في أن تصبح دائرة الضوء مسلطة اليوم على رئيس السلطة الفلسطينية من حيث أن معتنقي نهج "لا حول لنا ولا قوة" ، يزعمون بأن عرفات هو حجر العثرة الوحيد والمتبقى في طريقهم لمنح كيان صهيون الأمن والسلام وبالتالي فإن أحد أهم الفرائض الإلهية التي عليهم تأديتها ، هي إزاحة عرفات وبأي ثمن .
وحتى لا يجد عرفات نفسه وقد أصبح يشكل فعلاً حجر العثرة لنفسه وللفلسطينيين كذلك ، فإن عليه أخذر الحذر الشديد من المخطط الرامي إلى إقناعة بمقايضة حريته في التحرك داخل المناطق الفلسطينية في مقابل التنازل عن صلاحياته الأمنية .
هذا المخطط الذي حاكته أصابع كل من مدير المخابرات المصرية وملك الأردن بمباركة تحالف بوش ـ شارون وبمعرفة محمد دحلان ، يهدف إلى شخصنة القضية الفلسطينية وبالتالي إبعادها عن جوهرها الحقيقي مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى نشوب صراعات وتنافسات على السلطة بين مختلف الدوائر الأمنية ومن ثم الدفع بفصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة للتورط هي الأخرى في صراعات فيما بينها ليتمكن الكيان الصهيوني من إلتقاط الأنفاس اللازمة لإرتكاب مجزرة جديدة في حق سكان مخيم لاجئين جديد .
صحيح أن وضع عرفات كسجين بين جدران مقره في مدينة رام الله هو وضع غير إنساني لرجل جاوز السبعين من عمره وأن على الجميع المطالبة وبصوت عال بوضع حد لهذه الجريمة النكراء التي ترتكبها عصابة الإرهاب الشارونية في حق رئيس سلطة منتخب ، إلا أن عرفات الحبيس وبرغم معاناته يبدو للعيان أكثر إمتلاكاً لحرية إبداء الرأي من زملائه السلطويين في دول الجوار العربي وهذا ما كشفت عنه قمة تونس الأخيرة .
إنه ولمن غير المقبول خلقاً ولا عرفاً من مدير المخابرات المصرية ، السيد عمر سليمان ، الذي لم يتحرك حين كان أهالي حي السلطان يذبحون كالخراف بسكين الجزار الصهيوني ، أن يبدأ بحياكة مثل هذه المخططات التي لا فائدة تذكر منها لشعب فلسطين وقضيته فيما دماء ضحايا المجزرة لم تجف بعد .
الجميع يعلم مدى المودة التي يكنها شعب فلسطين لشعب مصر الأصيل .. هذه المودة الراسخة جذورها لن تتزعز برغم أفعال السيد عمر سليمان والذي كان الأجدر به أن يُصر على وجوب إحترام الكيان الصهيوني للإتفاقات الحدودية مع بلاده والمنبثقة عن معاهدة كامب ديفيد والتي تنص على عدم السماح بوجود معدات عسكرية ثقيلة لكلى الطرفين في منطقة عرضها ثلاثة كيلو مترات على طول الحدود الفاصلة بين البلدين وليس غض النظر عن عشرات الدبابات والمروحيات الصهيونية وهي ترتكب المجازر وتخلف الدمار في مدينة رفح الحدودية وعلى بعد أمتار قليلة من الحدود مع مصر .
للأسف الشديد ، لم يكن السيد عمر سليمان حازماً مع "الإسرائيليين" كما كان مع الفلسطينيين أثناء وساطته لإعادة أشلاء جنود الصهاينة .. فقد كان من الممكن إنقاذ حياة عشرات الفلسطينيين لو أن السيد عمر سليمان فعلها وأصر على شيء ... لكنه وكما يبدو فإن الإصرار بحد ذاته أصبح عملة غير متداولة في الأسواق العربية .

احمد منصور ـ المانيا