حول مواقف أبناء الطائفة العربية الدرزية من مسألة الانتماء

بداية يجب التأكيد على حقيقة أن المواقف السياسية للفرد ، ومهما كانت مُخالفة لرأي الأغلبية ، لا تلغي حقه في الإنتماء إلى الجماعة .
وعليه فإن الطائفة العربية الدرزية في فلسطين المحتلة هي جزء لا يتجزأ من النسيج القومي للمجتمع الفلسطيني ، هكذا كانت وما تزال وستبقى كذلك ، هذا وعلى الرغم من وجود أصوات نشاز ترتفع ما بين الفينة والأخرى مطالبة بفك إرتباط الطائفة الدرزية بالعروبة ، لا بل أن الأمور تصل أحياناً إلى مطالبة البعض بالارتماء في الحضن الصهيوني والولاء التام لكيانه الغاصب ومن هؤلاء ، أيوب القرا ومجلي وهبة وكلاهما عضو في الكنيست وكلاهما ينتمي إلى حزب الليكود اليميني المتطرف وكلاهما له العديد من المواقف المُخزية والتي شوهت صورة الطائفة العربية الدرزية .
لكن وفي المقابل ، لا يجب أن ننسى أن هنالك العديد من أبناء الطائفة العربية الدرزية ممن لهم مواقف مُشرفة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ، المناضل الفلسطيني سعيد نفاع ، زعيم حركة "المعروفيين الأحرار" والتي يبذل أفرادها مجهوداً كبيراً لنشر الوعي القومي بين الشباب الدرزي وتذكيره بأصوله العربية وحثه على رفض الخدمة في صفوف جيش صهيون .
إن ما نشهده اليوم من تصاعد مستمر في عدد الشباب الدرزي الرافض للخدمة العسكرية حتى وإن كلفه ذلك السجن والملاحقة والترهيب ، إنما هو نتيجة للعمل الدؤوب لؤلئك الشرفاء من أمثال المناضل سعيد نفاع ، وقد ساهم الصلف الصهيوني وسياسة الاستعلاء على كل من هو من غير اليهود التي انتهجها ساسة الكيان على مدى عشرات السنين ، ساهم في خلق المناخ اللازم لتحرك الشرفاء من أبناء الطائفة لنشر الوعي وتبيان حقيقة صهيون وممارساته العنصرية المستقاة من أيدلوجية ظلامية ترجع أصولها لمعتقدات دينية تمنع المعاملة مع الآخر بالمثل وفي كثير من الأحيان تحرمها .
لقد حرص كيان صهيون ومن البداية على الإستفادة من الطاقة القتالية التي تميز بها الثوار الدروز الذين قاتلوا ببسالة دفاعاً عن وطنهم فلسطين أثناء ثورة عام 1936 وحرب عام 1948 ضد عصابات الإرهاب الصهيونية ، لذا فرض عليهم وبشكل تعسفي قسري الخدمة العسكرية الإجبارية ومنذ عام 1956 وكان بذلك يهدف إلى شق صف الطائفة وعزلها عن محيطها الفلسطيني والعربي ، علماً بأن الطائفة الدرزية كانت قد عرفت أساليب الإضطهاد الصهيوني في وقت مبكر وقبل غيرها من الطوائف العربية حيث يشهد التاريخ على أن أول قرية فلسطينية تم تهجير سكانها إلى بلدان الشتات كانت قرية المطلة الدرزية .
لا شك في أن الإعتقاد الخاطىء والذي كان سائداً آنذاك بأن الخدمة العسكرية سوف تعود بالنفع على الطائفة الدرزية ، هو سبب من الأسباب التي أدت إلى إغراء البعض وبالتالي قبول الانخراط في صفوف جيش صهيون ، بيد أنه ومع مرور الزمن ، كان لا بد من اكتشاف حقيقة أن الصهيونية إعتادت على قطع اليد التي تمتد إليها قبل غيرها .
لقد كانت نتائج ذلك الإعتقاد الخاطىء مريعة وكارثية بكل المقاييس وكان لها إنعكاسات سلبية على الطائفة الدرزية نفسها ، حيث أخذت المستوطنات اليهودية التي تتمتع ببنية تحتية حديثة تتكاثر كالأعشاب الضارة وسط حقولهم الزراعية ، في نفس الوقت الذي حُرمت القرى الدرزية المجاورة من جميع وسائل التطور وفي شتى المجالات ، لا بل أن حال القرى الدرزية إزداد سوءاً قياساً بحال قرى عربية أخرى ممن لا يخدم أبنائها في صفوف الجيش الصهيوني ، عندها تأكد للدروز العرب ما هو معروف للجميع وهو أن هذا الكيان تم إنشاؤه ليكون وطناً لليهود دون سواهم .
عموماً يمكن القول بأن أبناء الطائفة الدرزية تأثروا كثيراً بحالة التشظي والإنقسام التي مر ومازال يمر بها العرب وكياناتهم العديدة مقارنة بالكيان الصهيون الذي حرص كل الحرص على الظهور للعيان بمظهر المتماسك برغم كل ما ينخر عظامه من ديدان التفرقة والعنصرية بشتى أشكالها .
لقد كان للهزائم العربية المتلاحقة تأثيراً سلبياً على مشاعر الإنتماء للعروبة لدى أبناء الطائفة الدرزية فقد سجلت فترة ما بعد هزيمة عام 1967 أعلى نسبة لإنخراط الشباب الدرزي في صفوف جيش الكيان ووصل الحد لتفاخر بعض العائلات الدرزية بإنخراط أبنائها في الجيش الصهيوني .
لكن السنوات الأخيرة شهدت تطورات إيجابية في مواقف أبناء الطائفة العربية الدرزية تجاه مسألة الإنتماء للعروبة وفلسطين ، تلك التطورات جاءت لتؤكد تفاعل الشباب العربي الدرزي مع ما يحدث في محيطه العربي .
فما حققته إنتفاضة الأقصى المباركة من صمود وانتصارات على الأرض ، أعطى للشباب العربي عموماً وللدروز الفلسطينيين بشكل خاص ، دفعة معنوية عالية ورسخ شعور الإنتماء لديهم .
أخيراً ، وكما أكدنا في البداية على حقيقة أن اختلاف المواقف السياسية لا يلغي الإنتماء ، نعود ونؤكد بأننا لن نفقد الأمل في عودة جميع أبناء الطائفة العربية الفلسطينية ، إلى جذورهم وأصلهم ومن ثم أخذ مكانهم داخل الصف الفلسطيني والعربي .

احمد منصور ـ المانيا
04/06/2004