تركيا ومصر وملحمة الشرق الأوسط الكبير

لوحظ أنه وفي كل مرة قام فيها رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا أو وزير خارجيتها عبد الله غل ، بتوجيه إنتقادات لسياسة "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين ، حرص كلاهما وفي المقابل على إجراء لقاءات صحفية مع إحدى وسائل الإعلام في كيان صهيون ، ليؤكدا للإسرائيليين من خلالها ، عدم حدوث أي تغيير في سياسة بلادهم تجاه الدولة العبرية .
لوحظ أيضاً إلتزام الإدارة الأمريكية والوكالة اليهودية العالمية الصمت تجاه إنتقادات غل وأردوغان وذلك على غير ما اعتدناه منهما حين يجرؤ أي كان على إنتقاد "إسرائيل" .
ففي حالات مماثلة قامت الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني بنقش وشم "معاداة السامية" على جسد كل من سولت له نفسه إنتقاد سياسة "إسرائيل" الإجرامية بكلام أقل حدة وبمراحل عديدة مما تفوه به رئيس وزراء تركيا أو وزير خارجيتها .
إذن ، لا بد وأن تكون هناك أسباب وجيهة دعت الساسة الأتراك لتوجيه إنتقاداتهم لسياسة "إسرائيل" وأسباب وجيهة أحرى أدت إلى سكوت الإدارة الأمريكية والوكالة اليهودية عن التعقيب على تلك الإنتقادات .
و كما سبقني أحد رعاة الإبل لمعرفة أن البعرة تدل على البعير ، كذلك فإن تتبع أحداث الأمس يقودنا إلى معرفة مسبقة لنتائجها التي قد تحصل غداً .
نحن نعرف اليوم بأن الهدف من وراء الغزو الأنجلوأمريكي للعراق هو إعادة لخبطة نظام المنطقة العربية وذلك بإستبداله بنظام أكثر لخبطة بحيث يشمل كيان صهيون وتركيا وربما أفغانستان أيضاً .
هذه اللخبطة الجديدة بشكلها الموسع والمسماة بـ "الشرق الأوسط الكبير" هي بمثابة سفينة في بحر متلاطم الأمواج وبالتالي فهي بحاجة لقبطان يقود دفتها .
لوحظ كذلك أن أمريكا إستطاعت شطب إسم إيران من قائمة المرشحين لتولي مهمة القبطان بعد أن دوختها وأشغلتها بملفها النووي وكذلك شطبت إسم السعودية من نفس القائمة بعد إشغالها هي الأخرى بما يجري على أرضها من أحداث عنف دموي ، فلم يتبق على القائمة سوى تركيا ومصر .
لهذا فإن تركيا تشعر بضرورة إستمالة شعوب المنطقة لصالحها لكي تفوز على مصر في معركة التنافس على تولي مهمة القبطان لسفينة الشرق الأوسط الكبير والتي بدأت بالفعل خلف كواليس المؤتمر الإسلامي المنعقد حالياً في مدينة إسطنبول حيث يتنافس مرشح تركيا كمال الدين إحسان أوغلو الذي يلقى معارضة مصرية سعودية مشتركة ، مع مرشح كل من بنغلاديش وماليزيا على منصب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
يبدو لي أن الأتراك لهم دراية بطبيعة الإنسان العربي تفوق تلك التي يعرفها العربي عن نفسه فهم يدركون تماماً ، بأن هذا العربي سيظل يصفق لهم حتى تتورم كل ما لديه من أيادي إذا هم إفتعلوا الغضب على سياسة "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين .
أظن أن أسباب صمت الإدارة الأمريكية والوكالة اليهودية العالمية وكل العفاريت التابعة لهم ، قد أضحت واضحة للبعض على الأقل ، فهؤلاء لا يعارضون أن تنال تركيا حصة الأسد من الفريسة التي ستتقاسمها مع كيان صهيون .

احمد منصور ـ المانيا