ليس عندي ما أحدثك عنه اليوم يا صديقي

يا صديقي ، لقد أصاب الوهن أوراقي كلها وذوى قلمي في سحيق قمـة حضيض العروبـة وصارت حروف كلماتي ساكنة كما لو أنها كانت قد جُبلت بالإسمنت فأضحت جزءاً من ذلك الجدار الصامت الذي ساهمت شركات الطريفي وقريع في إعلاء صرحه .

ليس عندي ما أحدثك عنه اليوم يا صديقي ، فصوتي لم يعد يؤمن بصدق نبراته وكل ما حدثتك به عن يافا وحيفا لم يكن إلا ضجيجاً لوهم أو وهماً لضجيج ، فالإلهة والرموز الوطنية حسمت الموقف وأدلت بدلوها في الأمر وحددت تضاريس وجغرافية الوطن : فلسطين ليست من النهر إلى البحر وإنما من بيت حانون إلى بيت دحلان وفي أحسن الأحوال ، إلى بيت الطريفي أو بيت الرثاء المسمى ببناية المقاطعة في رام الله .

هل تدري يا صديقي بأنني حاولت تلبية إلحاحك عليٌ بالكتابة فلم تخرج من جوف قلمي سوى رعشة خوف مما هو آت وحروف مبعثرة لا معنى لها ، كهذه :

  قالوا :      فـ...ساد كل من هو ، عرفـ....آت
  فقلت :      وما ساد من لم يعرف ، ما  هو   آت
  قالوا :      وصوت يئن من هول  الكرخـ...انات
  فقلت :      ولا للصـ...ـلاح  في سلطة الأموات

ها أنت ترى يا صديقي ، فكلامي صار مجرد حشرجة بلا معنى وقد يحتاج لطبيب شرعي ومشرحة للتحقق من سبب موته المفاجيء .

ليس عندي ما أحدثك عنه اليوم يا صديقي ، فقد سئمت النحت في صخرة الجبالي وباطون الطريفي وحائط مبكى عرفات فدعني أخلع ذاكرة الثورة والنعال وأذهب إلى فراشي لأنام ، على إيقاع لحن أوسلو والسلام .

صديقك أو ما تبقى منه
احمد منصور ـ المانيا