لعنة الأرض المباركة

لا أدري إن كان الرئيس الفلسطيني وهو يتجول ذهاباً وإياباً بين ما تبقى من جدران بناية مقره في مدينة رام الله وهو بلا شك ، يملك من الوقت الكثير لفعل ذلك ، يتذكر وصية الحاج أمين الحسيني له يوم كان جديراً بحمل تلك الوصية ؟
فالتاريخ يذكر أن الحاج أمين الحسيني وقبل وفاته بأيام معدودة ، كان قد طلب حضور رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات لإبلاغه بوصيته وكان الحاج أمين وقتها يرقد على سرير المرض في أحد مستشفيات العاصمة اللبنانية بيروت .
وصية الحاج أمين الحسيني تلك ، تضمنت كلمات من النصح لياسر عرفات بعدم التوقيع على أية معاهدات صلح مع "إسرائيل" وعدم التفريط بأي ذرة من تراب فلسطين كون أن أرض فلسطين هي وقف إسلامي مبارك من الله وهي تلعن من يخونها وأن على عرفات ترك شأن تحريرها للأجيال القادمة إن لم يقدر له ذلك لأسباب لا يعلمها إلا الله وحده .
لقد رحل الحاج أمين وصارت وصيته من بعده نسياً منسياً لدى من وجهت إليهم ، بيد أن لعنتة الأرض التي تنبأ بها الحاج أمين ظلت باقية وهي وكما نشاهد اليوم ، تلاحق أولئك الذين تخلوا عن ما يزيد على الـ 80% من تراب الأرض المباركة من أجل سلطة حكم ذاتي على مساحات ممزقة الأوصال لا تصلح بأن تكون سجوناً لساكنيها إذا ما طبقنا عليها معايير السجون في العالم المتحضر ، وها هم "وزراء" السلطة وعلى رأسهم عرفات يواصلون خداعهم لشعب فلسطين وأنفسهم كذلك بإطلاق إسم "دولة" على تلك السجون ، ولم يكتفوا بذلك فحسب ، بل أخذوا على عاتقهم تشويه صورة نضال الشعب الفلسطيني حين قاموا باستيراد الإسمنت المصري للمساهمة في بناء المستوطنات الصهيونية وجدار الفصل العنصري .
لعنة الأرض المباركة ستظل تلاحق كل من يفرط بالحقوق ، فقد شاهدنا وبرغم إقرار عرفات بالطابع اليهودي لما يسمى إسرائيل وتخليه بطريقة غير مباشرة عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم بزعمه أن ليس كل لاجيء يرغب في العودة وجعله من الحق المشروع مجرد قضية ذات دوافع إنسانية حين أخذ يتوسل "إنسانية" صهيون للنظر بعين العطف إلى معاناة لاجئي لبنان حصراً ، شاهدنا وبرغم ذلك كله ، كيف أن تنازلات عرفات المهينة تلك ، لم تنبه أية مشاعر للرحمة في قلب شارون ، لا بل أنه وحين سؤل من أحد أعضاء الكنيست الصهيوني عن مصير عرفات ، أجاب والإبتسامة ترتسم على وجهه : "ليس لدي نية بتغيير وضع عرفات فهو سعيد بوضعه الحالي" ، ليؤكد بهذا الجحود وعماء القلب الذي أصاب فرعون من قبله بمشيئة الله ، على حقيقة أن لعنة الأرض المباركة ماتزال سارية المفعول وستبقى .

احمد منصور ـ المانيا