القمة العربية وحكاية ألف نعم ونعم

لم تكن بريطانية الإستعمارية تحلم حين وضعت حجر الأساس لجامعة الدول العربية بأن تلك المؤسسة ستستمر كل هذه السنين ، لا بل أنها ستصبح العامل الأساس لتثبيت نظام سياسي عربي واصل مسيرة التقدم إلى الوراء قاطعاً هو وجامعته مشواراً طويلاً من المذلة والهوان والخنوع .
مشوار الجامعة العربية وقممها الذي بدأ عام 1946 بقمة (أنشاص) لبحث مشكلة الهجرة اليهودية إلى فلسطين مروراً بقمة اللاءات الثلاث المعروفة في الخرطوم عام 1967 وصولاً الى قمم الألف نعم ونعم والتي تم فيها قبول كل ما سبق لقادة العرب أن رفضوه هو مشوار حافل بالخزي والعار .
لقد ضاعت الأرض العربية في فلسطين والجولان السوري وشبعة اللبنانية وأخيراً ضاع الشرف العربي في سجن أبو غريب في العراق فيما لايزال النظام السياسي العربي يتابع مسيرته صوب الحضيض بخطوات مُتسارعة ومن قمة خوازيق إلى أخرى أكثر من سابقتها خوزقةً .
إن عيون الأسى في الروح العربية تكاد تفيض بدمع الحزن على قادة وزعماء العرب ، كلما حان الموعد لهؤلاء للإنعقاد وشد الوثاق للجلوس كالبعير في ظل مساحات المذلة وتحت سقف جامعتهم العربية وذلك لإقرار ما ستمليله عليهم الإدارة الأمريكية من تنازلات مهينة ، عادةً ما يكون ثمنها المُقابل هو السماح لكل واحد منهم بالبقاء فوق خازوق العرش إلى حين يأتي زمن إنزاله عنه .
الغريب هو أن النظام السياسي العربي وإعلامه التابع إستطاع ومنذ ما يزيد على النصف قرن من الزمن تسويق تنازلاته المهينة على أنها سياسة المُمكن في الظروف الحالية .
الجميع منا يعلم بأنه وفي ظل سياسة المُمكن تلك أو بالأحرى بسببها، تمكن صهاينة العالم من إنشاء كيان لهم من لا شيء في قلب الوطن العربي وقد يظهر للبعض منا حجم المأساة العربية جلياً حين نعرف بأن كلاهما ، النظام السياسي العربي بجامعته وكيان صهيون ، قد تم تأسيسهما في نفس الحقبة الزمنية وبنفس الأيادي ألا وهي البريطانية ، بيد أنه وفيما بقي حال العرب خلال النصف قرن الأخير يسير من ناقص إلى أنقص ، إزداد حجم وتأثير كيان صهيون طردياً حتى صار بعض قادة العرب يلهثون وراء كيان صهيون لنيل إعترافه بهم وبكياناتهم وليس العكس .
اليوم وبينما يتأهب قادة العرب لعقد قمتهم عمدت الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات ظالمة على سوريا بهدف إعطاء القادة العرب موضوعاً للنقاش كي يختلفوا عليه فيما بينهم أثناء إنعقاد قمة الكآبة العربية القادمة فلا يكون هنالك متسعاً لديهم للحديث عن الأمور العالقة كإحتلال أمريكا للعراق وتنكيل جنودها بالسجناء العراقيين ، لكني وبالرغم من ذلك كله لا أرى بأن على الشعوب العربية أن تقلق هذه المرة حيث أن اجتماعات القمة القادمة لن تسفر عن أية تنازلات جديدة على الأرض فقادة العرب لا يملكون شيئاً يًمكنهم التنازل عنه بعد أن قدموا لأمريكا ولكيان صهيون خلال فترة النصف قرن الأخيرة كل ما أراده كليهما منهم بل وأكثر من ذلك بكثير ولم يتبق لديهم إلا الإختلاف على محبة أمريكا . .

احمد منصور ـ المانيا