حول رفض السلطة تنفيذ قرار المحكمة العليا
تاريخ النشر
: 11:32 04.06.02

برفضها تنفيذ قرار المحكمة العليا الفلسطينية وإطلاق صراح أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين السيد احمد سعادات ، أثبتت السلطة "الوطنية" بما لا يدع مجالاً للشك بأنها مجرد نسخة مقزمة لأنظمة التخلف والجهل العربية .

الجميع يعرف أن أفراد هذه السلطة المستوردة تشبعوا حتى النخاع بثقافة سياسية لدول دكتاتورية كانوا قد قضوا حياتهم فيها وتعلموا من أنظمتها عدم احترام القانون وأن الكلمة الأولى والأخيرة هي لأجهل جهلاء القوم ، وهم بذلك في طريقهم لإرتكاب خطأ لا يغفر وربما يكون قاتلاً .

لقد إختلط الأمر على أفراد سلطة المستوردين ورئيسها فاعتقدوا ان بإستطاعتهم حكم شعب فلسطين بنفس الطريقة التي كانوا يحكمون بها فصائلهم في تونس وفي لبنان والأردن من قبل . وإذا كان الأمر كذلك ، وهو يبدو كذلك فعلاً ، فعلي هؤلاء تحزيم حقائب سفرهم والعودة من حيث أتوا ، الى تونس وبئس المصير .

فالشعب الفلسطيني له ثقافة سياسية تختلف تماماً عن تلك المتعارف عليها في أنظمة المشخيات العربية التي عودت شعوبها على الركوع الأزلي للحاكم وأبناءه وعماته وخالاته .

لقد تجذرت في الوعي السياسي الفلسطيني ثقافة جديدة ، منها : أن الدولة بحد ذاتها ليست قصوراً ومقرات وسجون وإنما هي شعب حر وقضاء مستقل وسلطة نزيهة ، وهذا ما لم تستطع السلطة المستوردة إستيعابه مما جعلها سجينة لغباء وجهل أفرادها وتمسكهم بتقليد أنظمة بالية عفنة غير صالحة لقيادة نزلاء حديقة حيوانات ناهيك عن قيادة شعوب حرة .

إن الأوامر التي أعطاها عرفات لإعتقال احمد سعادات كانت منذ البداية بمثابة كبوة حمار أعمى لم ير النتائج التي ستتركها هكذا خطوة على المجتمع الفلسطيني وكانت بمثابة إعتراف من عرفات بأن الصهيوني هو إنسان فوق الجميع ، وإلا لماذا لم يطالب عرفات بمحاكمة الصهاينة الذين إغتالوا الشهيد ابو علي مصطفي ؟

جميع الحجج التي يسردها ببغاوات السلطة المستوردة هي حجج واهية وغير مقنعة ، خصوصاً وان سجل هذه السلطة المستوردة لا يدل على أن لها رصيد من النوايا الصادقة بل العكس هو الصحيح ، فهي التي تعاونت مباشرة مع الموساد وجهاز المخابرات المركزية في القبض على رجال المقاومة وتسليمهم عبر الحواجز الى الكيان الصهيوني ، وما حادثة سجناء بيتونيا إلا واحدة من مئات الحوادث المماثلة والتي جرت بالسر ولم تلق زخماً إعلامياً كما حدث في بيتونيا .

لقد بينت الأحداث الأخيرة أن سلطة المستوردين قد أصبحت ناضجة كل النضوج ، ليس بمعنى نضوج العقول وإنما نضوج ثمار الفاكهة التي إن لم يتم إقتطافها فهي تسقط او تتعفن .

صحيح ان هنالك طبقات في المجتمع الفلسطيني لا تزال تتمسك بسلطة المستوردين ، وهؤلاء هم من المنتفعين بسياسة الفساد المتبعة ، لكن التاريخ ، وخصوصاً الفلسطيني منه ، يذكر أمثلة كثيرة تؤكد على ان ضياع فلسطين لم يكن ليحدث لولا وجود أمثال هؤلاء الذين سعوا الى وقف نضال الشعب الفلسطيني في كل مرة دخلت فيها الصهيونية في مأزق ، تماماً كما تفعل سلطة المستوردين اليوم .

وهنا لا بد من الإشارة الى الشيء الإيجابي وربما الوحيد في كل ما حدث ، وهو ان القضاء الفلسطيني بقراره الأخير قد أثبت نزاهته وإستقلاليته وهذا بحد ذاته مدعاة للفخر والإعتزاز وفاتحة عهد جديد في عالم عربي لا يعرف إلا قانون راعي القطيع للحيوان المطيع .

احمد منصور