الخوف من ذكرى النسيان
تاريخ النشر
: 11:40 31.05.02

في مقال نشر أمس في صحيفة (NZZ) السويسرية كتب فيكتور كوخر يقول : "إن أكبر عملية خداع للشعب الفلسطيني ، هي تلك التي تكمن في إخفاء الحقيقة عنه فيما يتعلق بتفاصيل عملية السلام الجارية .
هذا السلام الذي يفرض على الفلسطينيين قبول ما هو أقل بكثير مما أقرته وأكدت عليه الشرعية الدولية لهم .
ففي الوقت الذي تقر فيه عملية السلام شرعية إستيلاء "إسرائيل" على 78% من فلسطين الإنتداب ، تحول ما تبقى من فلسطين (22%) الى مناطق متنازع عليها .
ولا نجد احداً يقول للفلسطينيين بصراحة أنه وحسب إتفاقات السلام هذه ، فإن عليهم التخلي لـ "إسرائيل" حتى عن أجزاء كبيرة من هذه الـ 22% المتبقية .
لا بل ان الأدهى والأمر من ذلك هو ان الجميع أصبح يطالب الفلسطينيين بإظهار المزيد من المرونة والتنازل من أجل هكذا سلام .
إنه من الصعب على أي إنسان يعرف معنى للعدالة البشرية أن ينصح الفلسطينيين قبول ذلك والتخلي عن حقوقهم الأساسية والتي لا جدال على شرعيتها ، خصوصاً وأننا في زمن توقع فيه كل يوم معاهدات لضمان حقوق الإنسان والمساواة" .
ترى لو أن بعض "الإشقاء" العرب وهؤلاء الذين يمارسون الضغط على الفلسطينيين لقبول هذه الخيانة التاريخية والتي يطلقون عليها "عملية سلام" ، لو أن هؤلاء حاولوا إستيعاب كلام هذا الكاتب الغربي والغير شقيق ، ترى ماذا سيكون شعورهم ؟ الخجل من الذات والبصق عليها لما وصلت إليه من ذل ومهانة ؟؟
أكاد أزعم ان هؤلاء لا يملكون حتى حرية الشعور والإحساس ناهيك عن إمتلاكهم الشجاعة لقول كلمة حق في وجه بوش ظالم .
الأمر لا يحتاج الى هذه التعقيدات ولا كل أساليب التمويه القذرة ، أكان ولى عهد أو أمير ، أكان ملكاً او رئيس حكم ذاتي محدود ، أكان وزير حكومة أو مواطن عادي ، فكل من يقبل بخمس فلسطين ويعتبر ذلك مكسباً ، فهو بمقياس دنيوي ، إنما يخون الإنسانية وقيمها ، وبمقياس قومي ، إنما يخون العروبة وشرفها ، وبمقياس ديني ، إنما يخون الله ورسوله ولا جدال في ذلك .
ومن لا يقدر على قول الحق خوفاً من ظلم ظالم ، علية أن لا يروج للباطل لإرضاء أهله . إن هذا السلام المزعوم إنما هو الباطل بعينه ... وسوف تسأل أنت وسوف أسأل أنا ... كان هنالك ظلم بين ... فماذا فعلت ؟
كنت اخاف على جسدي من نهشات كلاب الأمن البولسية ، فنسيت نهشات نار جهنم ... كنت اخاف ظلمة سجون الحكام ، فنسيت ظلمة القبر ... كنت اخاف الطرد من الوظيفة ومن ثم الفقر ، فنسيت أن الرازق هو الله وليس الحاكم ... كنت اخاف ان أتهم بمعادات السامية ، فنسيت حب ديني وقيمي ... كنت اخاف ان أتذكر أن أبي عاش في يافا وحيفا ، فنسيت أني أصبحت الآن مجرد لاجئ في وطني ... كنت اخاف الموت ، فنسيت الحياة ... كنت اخاف واخاف ثم اخاف ، فنسيت ونسيت ثم نسيت ... حتى أصبحت أخاف أن أتذكر هذا النسيان .

احمد منصور