غياب عالم الاجتماع الفلسطيني الدكتور سميح فرسون
بقـلم : د. جـوني منصـور *

غيّب الموت في التاسع من هذا الشهر عالم الاجتماع الفلسطيني المعروف الدكتور سميح فرسون عن عمر 68 عاماً أمضاها في الابحاث والتدريس والدفاع عن الفلسطينيين بالدراسات والمؤلفات التي وضعها ونشرها. ولد سميح فرسون في مدينة حيفا في عام 1937 حيث ترعرع ونشأ فيها، ودرس الابتدائية في مدرسة الفرير(الاخوة) في حيفا. وعايش الترحيل والتهجير الذي أصاب الشعب الفلسطيني في عام النكبة 1948 حيث لجأ مع أهله الى لبنان، وفيها تابع دراسته الثانوية. وبعدها هاجر الى الولايات المتحدة الامريكية حيث التحق بكلية هاملتون ودرس فيها الفيزياء والرياضيات ونال اللقب الأول في هذين الموضوعين. ثم تابع دراسته في موضوع علم الاجتماع في جامعة كونتيكيت ونال منها اللقبين الثاني (الماجستير) والثالث (الدكتوراة). ساهم د. فرسون في تدريس موضوع علم الاجتماع في الجامعة الامريكية في واشنطن لمدة ثلاثين عاماً الى ان احيل الى التقاعد في عام 2003. وتولى خلال المدة المذكورة منصب رئاسة قسم العلوم الاجتماعية في الجامعة. اضافة الى مشاركته الفعالة في عدة لجان اكاديمية داخل الجامعة ذاتها. وسعى د. فرسون بكل قدرته وطاقته الى اقامة برنامج الدراسات العربية في جامعته لزيادة الوعي والمعرفة بالحضارة والثقافة العربية وواقع العالم العربي وما يجري فيه من تحركات ونشاطات. ولم يقتصر دوره على العمل الاكاديمي بعيداً عن العالم العربي، إذ سعى الى تأسيس كليتي الآداب والعلوم في الجامعة الامريكية في الشارقة في دولة الامارات العربية المتحدة وترأس عمادتها في الفترة الواقعة بين 1997ـ1999. وعمل على تطوير المسارات الاكاديمية الادبية والعلمية بواسطة تأسيس وتفعيل هذه المسارات في الجامعة الامريكية في الكويت خلال العام 2004. اما نشاطه الاكاديمي والعام فتمثل في تفعيل جمعية الخريجين العرب في الجامعة الامريكية وذلك للاعتناء بالخريجين والاهتمام بتطوير علاقاتهم مع المؤسسات الجامعية والاكاديمية ـ البحثية. ود. فرسون عضو مؤسس لجمعية علماء الاجتماع العرب ومحرر مجلة الدراسات العربية وعضو في الهيئة الاستشارية العالمية لمجلة دراسات الاراضي المقدسة (في لندن)، وعضو مؤسس لجمعية دراسات الشرق الاوسط (في اريزونا)، وعضو الهيئة الادارية للاتحاد الامريكي من اجل حقوق الانسان الفلسطيني (في واشنطن)، وعضو ادارة اتحاد اطفال الشرق الاوسط (في بركلي/كاليفورنيا). وتجدر الاشارة الى ان د. فرسون هو من اوائل مؤسسي صندوق القدس لتطوير التعليم والمجتمع (تأسس هذا الصندوق في عام 1977). وساهم ايضا في اقامة وتنشيط معهد ابحاث العربية (في بوسطن).

اما بالنسبة لابحاثه ودراساته فنشر د. فرسون ستة كتب تتمحور حول الشؤون الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالشرق الاوسط، منها: " فلسطين والفلسطينيين"(بالانجليزية) وقد ترجم للعربية وصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت.ونشر مؤخراً(2004) دراسة جديدة بعنوان "ثقافة وعادات الفلسطينيين". وللدكتور فرسون ما يزيد عن 75 بحثا، وفصلا في كتاب، ومقالة. ومقابلاته وأبحاثه ترجمت الى لغات عدة، منها: العربية والافرنسية والفارسية والايطالية والالمانية. وكتب د. فرسون عامودا في عدد من الصحف والمجلات العربية والانجليزية. وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات من خلال تقديمه لمحاضرات ومداخلات علمية قيّمة اظهر فيها سعة في المعرفة وقدرة على التحليل العلمي الواقعي، خاصة في كل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية واحوال الفلسطينيين الحالية وما يعانونه من ويلات وشدائد. لقد كان للقضية والمأساة الفلسطينية حيزاً كبيراً في قلبه وعقله، وشغلته هذه القضية كثيراً، وخصص حياته الفكرية والاكاديمية لتحقيق شئ بالنسبة لشعبه. فجاءت دراساته المتنوعة ونشاطاته الكبيرة لرفع مستوى الابحاث الاجتماعية والعلمية في عدة دوائر اكاديمية واجتماعية داخل الولايات المتحدة وخارجها. وخص الدكتور سميح فرسون شعبه بمؤلف ضخم يحمل اسم " فلسطين والفلسطينيون"حيث تناول حالة الاقتصاد السياسي في فلسطين قبل عام النكبة وبعدها، مستعرضاً التجمعات الثلاثة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وداخل اسرائيل، والشتات الفلسطيني. وتطرق الى دور حركة التحرر الوطني الفلسطيني من منطلقات سياسية واجتماعية واقتصادية، ومساهمة الانتفاضتين الفلسطينيتين (1987 و 2000) ضد الاحتلال الاسرائيلي. وبحث في كتابه هذا سيئات وسلبيات اتفاقيات اوسلو بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وما جرته هذه الاتفاقيات على القضية الفلسطينية ومستقبل الفلسطينيين ورؤيتهم السياسية. وألحق د. فرسون كتابه هذا بلوائح وجداول بيانية ومعلوماتية واحصائية ومقررات دولية خاصة بالقضية الفلسطينية لدعم طروحاته وافكاره. لا شك في ان كتابه هذا يعتبر مساهمة واقعية لدراسة ماضي وحاضر واستشراف المستقبل الفلسطيني وفق اسس علمية مدروسة. اضافة الى قراءة الواقع بمنظار متقدم. ترك المرحوم د. سميح فرسون وراءه زوجة هي كاثا كيسمان وابنة اسمها رويدا، وشقيقا هو داود المقيم في بيروت، وشقيقاته رجينا ودسينا وسامية، واحفادا وعائلة متفرقة في فلسطين (شفاعمرو وحيفا)، ولبنان وكندا والولايات المتحدة .

د. جـوني منصـور
* مؤرخ وباحث من حيفا
تاريخ النشر : 15/06/2005