بار أيلان الفكر المستهلك
بقلم : جميل حامد

جميل حامد

لا نريد الابتعاد كثيرا عن فوضى الحدث الذي يفرض نفسه على الساحة الفلسطينية والعربية..بالأمس هرب الجنود الإسرائيليون من معسكرهم نتيجة الجوع وبالأمس أيضا أعلن 48 ألف دكتور وأستاذ ومحاضر جامعي من بريطانيا وأوروبا مقاطعتهم لجامعتي حيفا وبارا يلان الإسرائيليتين.... وبالأمس كذلك علمت بان 40 موظفا من اصل 1500 موظف في إحدى وزاراتنا يجهلون فتح جهاز الحاسوب....

هروب الجنود الاسرائليين الفضيحة الذي صعق القيادات العليا في جيش الاحتلال والتي اعتبرته سابقة اظهر هشاشة الانتماء لهذه المؤسسة العسكرية الضخمة والعملاقة بالمفهوم العربي....الجوع وعدم توفر الطعام دفع العشرات من الجنود إلى مغادرة المعسكر والعودة إلى منازلهم لتناول الطعام بعيدا عن أعين مسئوليهم الذين تركوا المعسكر بلا أغذية...

لا مقارنة بين الأذرع العسكرية للمقاومة الفلسطينية التي في غالبيتها مطاردة وملاحقة من الاحتلال الإسرائيلي وأدواته من جواسيس وعملاء وأجهزة رصد ومراقبة عينية ومادية وبين الذراع العسكري ألاحتلالي المدجج بالامتيازات والاستحقاقات والإغراءات وغيرها من وسائل الراحة التي تتراوح بين تحديد مدة المهام وشكلها الملقاة على عاتق الجنود بمختلف تشكيلات وحداتهم وبين ما يتمتعون به من راحة واستجمام مع نهاية " الشفت" اليومي للخدمة... على العكس من نظرائهم في الصراع الذين يتشردون في السهول والجبال والمغر والكهوف ولا يتمتعون بالحد الأدنى من مقومات الحياة...

الهروب من الجوع ومن معسكر مزود بكافة وسائل الراحة يترك تساؤلا ماذا لو انقطعت الإمدادات الغذائية عن هؤلاء الجنود في ميدان المعركة هل سيستلم هؤلاء إلى أعدائهم أم سيعودون أدراجهم إلى البيت !؟ طبعا الإجابة الحقيقية لا احد يعرفها حتى أولئك الذين يهندسون الحرب في إسرائيل لأنهم وبمعرفتهم الأكيدة لم يخوضوا أية حروب حقيقية على الأرض...نعم هرب الجنود إلى البيت... ولأنها المستوطنة التي مازالت عقبة في طريق كل التفاهمات التي تحطمت واندثرت على بقايا المطالبات والمناشدات لجرها خارج حدود الضفة الغربية... ولأنها مرتبطة بمواقف عالمية ودولية ورؤيا لكل المبادرات السلمية حتى الهزلية منها ولأنها مقاطعة تجاريا من الغرب لا من العرب ولأنها احد عناوين السلب والنهب للأراضي الفلسطينية أعلن 48 ألف محاضر وأستاذ جامعي أجنبي مقاطعتهم للجامعات الإسرائيلية وللفكر الاستيطاني.........

يا للعار كم من شخصية فلسطينية حاضرت في جامعتي حيفا وبار أيلان للسلام وضد الحرب.. للتطبيع والتعايش ضد القتل والتدمير وهم يعلمون بان فروع هاتين الجامعتين في مستوطنة " ارئيل "... التي تعتبر فقاسة المتطرفين واليمين في الكيان العبري... حتى أولئك الذين يتبنون الفكر التنازلي عن حق العودة في طروحاتهم وأفكارهم ومنتدياتهم التي تشهد عليها الكثير من العواصم الغربية والقرى التعاونية " الكيبوتسات" اتخذوا من جامعتي حيفا وبار ايلان منبرا لهم ولمبادراتهم المشبوهة...

هنا تكمن الكارثة عندما يتبنى المحتلون الإسرائيليون مشروعا صهيونيا وفكرا توسعيا متوارث يتبنى البعض في عواصمنا العربية الفكر الصهيوني المتمدن ويحاول ترويجه في أكثر من عاصمة بل لا تخلو عاصمة عربية الآن من دعاة التطبيع الفكري والثقافي والتجاري بعد أن أصبح التطبيع الأمني واقع حياة هذه العواصم واستراتيجية تواصل مع الكرسي ومقاليد الحكم... لا يجب أن نخجل من فضح أنفسنا وتعرية ذاتنا عندما يتعلق الأمر بالنجم البرازيلي رونالدو الذي سيزور أريحا في بداية أيار ويعود إلى رام الله وغزة في منتصفة ونحن نصفق لمحاضر جامعة بار ايلان الذي يكتب عن السلوك الجنسي والطرق السليمة للعملية الجنسية في احد أكثر المواقع الإخبارية العربية انتشارا وقراءة... كفانا إذن فالانحناء للغرب الذي ينوب عنا في كافة المحافل حتى في المقاطعة لبضاعة المستوطنات فكرا وتجارة أصبح مشروع بل واجب... وواجب علينا كفلسطينيين أن نتقن لعبة التحدي كي نستمر إلى أن تقوم الساعة لا الدولة فالساعة تعبير عن لغة الرب لخلقه باللقاء والحساب وهو رب الجميع وهي لغة العدل في الوقت الذي تبقى الدولة لغة أمريكا للعالم ولنا كفلسطينيين وعرب هي لغة الغطرسة ولغة الإرهاب بكافة أشكاله فلا يعقل أن يستوعبا الصراع كطرف ونحن نلعب الورق على شاشة الحاسوب جهلا منا في ممارسة لعبة الحياة عليه... ومن غير المستوعب أن يبقى أرشيفنا هو لغة العصر والعصر يتحدث بلغة المستقبل.... فجامعة بار أيلان التي قاطعها المحاضرون والأساتذة الغربيين والتي تفرز سمومها في وجباتنا الإخبارية اليومية وإعلامنا العربي " المتطور والعصري...!" تمثل الفكر المستهلك بالمفهوم الأوروبي كونها تنطق من جحر الأفاعي في مستوطنة ارئيل فهل يقف المثقفون العرب وقفة تحدي لمواجهة مصيرهم قبل أن يجدوا أنفسهم في ارئيل .

جميل حامد : كاتب وصحفي فلسطيني
Hjam32@yahoo.com

تاريخ النشر : 26.04.2005