لننتظر الطوفان معا
بقلم : جميل حامد

جميل حامد

مفارقة كبيرة بين السيدة اليهودية التي تنتظر مائتي عام لينسحب البحر عن ساحل بحر يافا ليصل إلى منزلها في قرية "عرتوف" المحتلة التي أصبحت بيت شيمش حسب التقويم اللغوي العبري وبين انتظار سكان مدينة طولكرم لانسحاب المد العسكري عن مدينتهم...في غضون ساعات............!

وبين الإنسان والطبيعة تقف الأنظار صوب المستقبل وما يخفيه فالإسرائيليين الذين نجحوا في تغيير الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تتوج بالاعتراف بإسرائيل شعبا ووجودا على ارض "عرتوف" كما هي صفد وكل المدن و القرى الفلسطينية المحتلة عام 1948 أغمضوا عيونهم عن الفعل البشري المرتبط بلحظة صياغة تاريخ الصراع مع العرب والفلسطينيين وما افرز حينها من ثوابت على أرضية الصراع وباتوا يتأهبون للفعل الناتج عن تغيرات الطبيعة وتهديدات الجغرافيا

بالفهم الإسرائيلي سقطت ورقة التوت وباتت العورة العربية مكشوفة ومفضوحة ولا تتعدى في الكرامة العربية في بورصة تل أبيب أكثر من فيديو كليب دعائي مرتبط بمرحلة التوسع أو كليب عاري مرتبط بأجندة التواصل مع أسباب الانهيار لذلك هم يدركون بان الخطر اليوم ليس قاعديا ولا زرقاويا ولا هو إقليميا إنما يرتبط بالتركيبة الداخلية لأرض الوجود والتواجد بما تحفل من بشر وحجر.

السيدة الإسرائيلية التي قالت لزوجها الذي اعتاد النزول لبحر يافا يوميا بعد مشاهدة تقرير" جيوغرافي "على إحدى القنوات الفضائية المتخصصة لماذا نذهب للسكن في تل أبيب ما دام البحر قادم إلى" بيت شيمش" فلننتظر مائتي عام...؟

وفي<< طولكرم>> ينتظر الفلسطينيون انسحاب المد ألاحتلالي من قلب المدينة وبقرارة أنفسهم يعلمون أن الاحتلال باق في عمق المدينة وقلبها ورئتيها واذرعها الأربعة لكن الفضائيات وكل وسائل الإعلام الأخرى(( يجب)) أن تتحدث عن" زفة" الانسحاب من << طولكرم>> كمقدمة لانسحابات أخرى مرتبطة بمدى تقيد الفلسطينيون بشروط اللعبة وتنفيذهم لاشتراطاتها... والسيدة الفلسطينية تسال لماذا لم ينسحب الاحتلال إلى ما قبل (( 29 أيلول من عام 2004)) أي ما قبل اندلاع انتفاضة الأقصى إذا ما كانت إسرائيل جادة في تحقيق السلام...؟!

لا شك بان شروط السلام وتحقيق أسسه ومبادئه تستدعي من الاحتلال الإسرائيلي العودة للوراء والانسحاب إلى الخلف والخروج من كل المدن الفلسطينية" رزمة واحدة" بدون قيد أو شرط إذا ما أرادت الدولة العبرية الفصل الحقيقي مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة............؟

السيدة الإسرائيلية تنتظر الطوفان البحري بعد مائتي عام وشارون يريد لنا مائتي عام أخرى للتحرر من إحداثيات ( طوفانه العسكري ) و اجتياح دباباته ومجنزراته وطائراته لمدن الضفة الغربية وقطاع غزة.... نعم هو يريد لنا مائتا عام أخرى لدفع فاتورة الحياة بعد أن اجتاح العالم العربي بأكمله في رسالة تهنئة عبر بريده الالكتروني...

لم تكن المأساة الفلسطينية والعربية تتمثل بالاحتلال الإسرائيلي المصنف بوكر الأفاعي ليس في الشرق الأوسط تحديدا بل في العالم ككل بل في تلك الدول التي تمنحه الشرعية لإعادة احتلاله للأراضي الفلسطينية من جديد... والتي تشاركه مخططاته ولا استثني احدا..

نحن بصدد احتلال ونكبة جديدة تتبلور صورها ومعالمها في خطة الانسحاب من غزة التي يتضح يوميا بأنها تحمل في طياتها طوفانا لن يبقي من أراضي الضفة الغربية ولن يذر...
نحن بصدد إعادة بيع القضية وإعادة تعويم أهلها في البحر الإقليمي الأضيق علينا والأوسع عليهم وهذه السكاكين الممتدة على عنق القضية سواء بشعبها أو ممثليها تدخل في سياق تقزيم القضية وتركيع أصحابها...

نحن بصدد خيانة جديدة تتجاوز في بعدها طوفان البحر المنتظر تبدأ من أكذوبة فك الارتباط مع غزة وتنتهي بالطوفان القادم للضفة.. فالانسحاب للعمق الذي أراده شارون ثمنا لفك الارتباط الوهمي لن يدفعه إلا الفلسطينيين يا مستر" عبار".... والثمن معروف فلننتظر الطوفان معا...!!!


Hjam32@yahoo.com

تاريخ النشر : 08.03.2005