استقالة كافة أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح
بقلم : د. فايز صلاح أبو شمالة

        في جلسة غير مفاجئة، وبعد التشاور والتنسيق الجيد، عقدت اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح مساء هذا اليوم في رام الله جلستها التاريخية النهائية، وصدر عن المجتمعين بيان الاستقالة التالي:

       
يا جماهير شعبنا الصابر الحليم، يا أيها الأباة،

        بعد نقاش مستفيض، وسعة صدر وأناة، وبعد تبصر وتدبر، وتقليب للأمر على كل زواياه، وبعد رفض وقبول، وعصف وذبول، وتحذير وانتباه، وبإجماع على موقف واحد طالما اتبعناه، وحماية لمصالح هذا الشعب الذي كنا على رأس قراراته، ورافقناه في المسير فتعلمنا منه، ووجهناه، وتأكيداً منا على مستقبل هذا الشعب العربي الفلسطيني الذي من حقه الطبيعي أن يحيا فوق تراب وطنه بكرامة وكبرياء، وتفنيداً لكل ما يحاك ضد شعبنا من المؤامرات، والتفافاً على ما يحبك من الدسائس في الخفاء؛ قررنا نحن أعضاء اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، الاستقالة من مواقعنا القيادية التاريخية لحركتنا الرائدة، مفسحين المجال للأجيال الشابة كي تأخذ دورها، وتتحمل مسئوليتها، وتبدع مسارها، وتشق دربها، نحن أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح؛ نتخلى طوعاً، وبملء إرادتنا عن مواقعنا القيادية التاريخية، لأجيال فلسطينية شابة اكتسبت تجربتها القيادية من الميدان، ولها ذراع طويل في المواجهة اليومية، قيادة شابة ممتشقة القوام، يقظة التفكير، واعية التدبير، تمتلك المبادرة، لها قدرة الاندفاع بتروٍ، وإمكانية الإحجام بحكمة، تطل على مجريات الأمور الميدانية، وتشرف على ماضي التجربة، لا طمع لأيهم بالمناصب والألقاب، ولهم طموح السحاب، ولهم صلاتهم وارتباطاتهم الوثيقة بالجماهير، ولهم تجربتهم العريقة من الطهر والصفاء، والتضحية والنقاء.

       
يا جماهير شعبنا، يا أيها الصابرون

        نثق بكم، بعطائكم، بقدراتكم على حسن الاختيار للقيادة الجديدة الشابة، لاسيما بعد أن غدوتم أصحاب تجربة عريقة في المواجهة، وفي الصمود، وفي تحمل مشقة التحدي، وصنع كريم الحياة، لقد اجتزتم أصعب المراحل النضالية، وطورتم قدراتكم الإدارية في تنمية الإرادة، وصرتم أصحاب تجربة تختلف عن تجربتنا، وأصحاب حاضر يختلف عن ماضينا، وأصحاب طموح وأحلام لا تنسجم مع تفكيرنا، وصارت بينكم نسبة الشباب دون سن العشرين أكثر من 60%، ونحن أصغرنا سناً أكثر من ستين سنة، ولأننا نرفض التخليد في الكراسي، والتجلط على المواقع، ونرفض التوريث للحكم، لاسيما أننا في مواقعنا منذ سنوات لا تعد ولا تحصى، وهذا يتنافى مع مقولتنا المشهورة؛ بأن رحم الفلسطينية ما كان يوماً عاقراً، وأن لكل جيل دولة ورجال، وأن لكل تجربة قيادة تنسجم مع واقعها، ولأننا نؤمن بأهمية التطور والتجديد، وأن تأخذ عناصر فتح القيادية الشابة، وعناصر فتح في السجون، وعناصر فتح في الساحات، وفي الميادين، وعناصر فتح الجرحى، لكي يأخذ كل أولئك الشرفاء دورهم، ويتحملوا مسئولية حياتهم السياسية، ويأخذوا قرارهم الذي يتعلق بمصيرهم بأنفسهم، ولكي تبتسم للغد أم الشهيد، وتفرح بالأمل الثاكل، وتزهو بالمستقبل أم الأسير، وتغرد بالحلم الطفولة، لصالح كل أولئك البسطاء الطيبين الصابرين من شعبنا؛ قررنا أن نترك قيادة الساحة، وأن نترك ميدان التنافس لأشد الخيول قوة، ولأدق العقول حكمة، ولأصلب القلوب نبضاً، نترك لكم مجال التسابق على خير ومنفعة هذا الشعب الذي طفح مخزون التجربة لديه، ويموج في داخلة كالبحر.

         
يا جماهير شعبنا المكافح الصبور، يا أيها الرجال،

        عملاً بتجربة إخوانكم في المعتقلات والسجون، الذين لم يشعروا يوماً بفراغ قيادي رغم عصف مصلحة السجون، وإصرارها المتكرر على ترحيل وعزل أعضاء اللجنة المركزية، لذا فقد تم تكليف قيادة ميدانية مهمتها الإشراف المؤقت على عمل الحركة، على أن تكمل في غضون شهر من اليوم، إجراء الانتخابات في كل المناطق، والمواقع وعلى كل المستويات التي تتواجد فيها حركة فتح، تنتخب من خلالها القاعدة قياداتها الميدانية التي تفرز مؤتمر الحركة، وفي الشهر الذي يليه يتم انتخاب أعضاء المجلس الثوري، ومن ثم انتخاب أعضاء اللجنة المركزية لحركة شابة نضرة تعودت على العطاء والفداء، قادرة على المنافسة في انتخابات المجلس التشريعي، وقادرة على رسم معالم المرحلة القادمة

                وفقكم الله، ونتمنى لكم دقة اختيار الأوفياء من صلب هذا الشعب.


                                                               
إخوانكم

                                                أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح

 

 

        ملاحظة: هذه رسالة افتراضية، أقدم صيغتها هدية لأعضاء اللجنة المركزية، على أمل، ونعاهدهم نحن الشعب العربي الفلسطيني، أن نحفظ لهم هذا الموقف الجريء الشجاع، غير المسبوق في الساحة السياسية العربية، ونعاهدهم عهد الأوفياء أن نكتب سيرتهم بماء الكرامة والكبرياء، وأن نعلق أسماءهم مشكاة تضيء الأفق الفلسطيني الرحب، وأن نرمز لموقفهم هذا بأيقونة في كل بيت.


د. فايز صلاح أبو شمالة
- تاريخ النشر : 26-02-2005