إنه تصرفٌ فذٌ حكيمٌ، ورائعٌ، ذاك الذي تم داخل أروقة المجلس التشريعي الفلسطيني، لأن الدين، والخلق القويم، والعقل السليم، والمنطق، والوطن، والمصلحة الشخصية تقول بعدم جواز تمرير أية حكومة احتوت تلك الأسماء المُلوَّثةِ المُلوِّثةِ، وهذا ما يعتبر تطوراً محترماً في العقلية السياسية الفلسطينية، ومؤشراً على خطوات ديمقراطية صحيحة ستحكم العمل البرلماني في المرحلة القادمة، وأن رأي المجتمع الفلسطيني الذي ظل مغيباً عقوداً من الزمن، بات يعمل له حساب، وكل ما سبق له علاقة من قريب أو بعيد بتنظيم حماس وأخواتها الذين يلوحون بعصا الانتخابات التشريعية القادمة، لقصم ظهر رموز الفساد، بعد أن صفعوا تلامذتهم في الانتخابات البلدية.
لقد وفر نقاش تشكيل حكومة فلسطينية جديدة فرصة تاريخية لأعضاء المجلس التشريعي- لاسيما أولئك الشرفاء منهم، الحالمين بخوض غمار تجربة انتخابية قادمة - وقد أحسنوا استثمارها وهم يلتفتون إلى عصا حماس، لتكاد أن تهوي على ظهورهم، تلوح بالإصلاح والتغير، إن أعضاء المجلس التشريعي وهم ينحنون لالتقاط ما تبعثر من ترس الكرامة والنخوة والوفاء بالوعود - وهذا حقهم - يصدون به أولئك السادرون في فشلهم وسقوطهم وفسادهم من جهة، وينافسون فيه برنامج حماس الداعي إلى الإصلاح والتغيير من جهة أخرى، بل ويقدمون أنفسهم كأصحاب برنامج إصلاح سبق برنامج حماس بسنوات خلت، قدموا فيها تقريرهم الذي يشير إلى الأسماء الفاسدة بالاسم دون مواربة أو دوران، ولكن الكف الغليظة التي كممت أفواههم، وخنفت أنفاسهم، وقلة حولهم، وانعدام قوتهم، سمنت أولئك الفاسدين، وأضفت عليهم البريق، وأضافت
لهم كل عام المزيد من الأسماء الفاسدة.
إن التطور الذي حدث في المجلس التشريعي في اليومين الماضيين ليس إلا بداية الانهيار لرموز فاسدة مفسدة، وبداية الانهمار لنهر الكرامة المتدفق ضد الجور الظلم وخنق العطاء، وذبح المواطن الشريف باسم الوطنية، وهذا ما يحرك في كل منتمٍ شهية الحلم إلى أيام فلسطينية نقية، طاهرة ناصعة، بفضل شلال الدم الذي تدفق في الانتفاضة، وبفضل تصاعد قوة حماس وأخواتها السياسية.
إن رفض أعضاء المجلس التشريعي لحكومة أحمد قريع حرك في كل غيور السؤال، والبحث عن حجر العثرة الذي سد تدفق نبع الكرامة، وحال دون انطلاق الإرادة القادرة على التغيير، وحجب شمس الجرأة والتحدي التي ميز الإنسان المضحي لعدد من السنين؟
فهل لنا اليوم بأعضاء مجلس تشريعي يشيرون بإصبع الاتهام إلى أولئك الذين خنقوا روح الإبداع لدي المجلس، وصنعوا منه دمية ذميمة لعدد من السنين؟ إن في الكشف عن المستور ستراً لعورة الوطن، وفيه درءٌ للخطر!!.
إن التلويح بعصا حماس الانتخابية الغليظة ليس عيباً في حق أحد، ولا هو منقصة في حق الوطن، بل على العكس من ذلك، لأن عصا حماس الغليظة ستكون في يد الشرفاء من كل التنظيمات، لاسيما تنظيم فتح، وهذه القوة قادرة بالتجربة على أن تكسر كل ظهر احدودب على مصالحه الشخصية، ومصالح المرتزقة من مقربيه، وظل سادراً في غفلته عن المتغيرات العميقة في نفسية المجتمع المضحي.
إن عصا حماس قد أيقظت غالبية الأوفياء من غفوتهم، وهم الذين يقفون الآن على ساقين من كرامة وإباء، يتقدمون، يتنافسون مع حماس وأخواتها في ميادين العطاء والشرف والفداء، ولا يهابون المنافسة، ولا يرتعبون، وفي نفس الوقت لا يحبكون ضد حماس، وضد الوطن والمواطن المؤامرات والخدع الباطلة الكاذبة التي باتت مكشوفة.
ملاحظة: حماس في هذا المقال مصطلح سياسي، يرمز إلى كل التنظيمات ذات الشأن العسكرة المؤثر على الساحة الفلسطينية