يهود أم إسرائيليون؟
بقلم : د. فايز صلاح أبو شمالة

      أيهم أكثر دقة؛ أن نقول: اليهود، أم أن نقول: الإسرائيليون، لاسيما إذا أردنا الحديث عن مجازر وممارسات وحشية تقترف ضد العرب الفلسطينيين؟

      ما انفك الفلسطينيون يرددون لفظة: يهود عن إدراك وجداني، وقلَّ أن استخدموا لفظة إسرائيليين، على الرغم من أن الفلسطيني يقول: دولة إسرائيل للدلالة على المكان الذي أغتصب منه وقامت عليه الدولة العبرية.

      وهنا ينسجم المنطق مع وجدان الفلسطينيين؛ فلا يصح أن نقول: الإسرائيليون، لأن أكثر من مليون عربي فلسطيني صاروا بالجنسية، والهوية إسرائيليين، ولا شأن لهم ولا مصلحة بما يمارس ضد الشعب العربي الفلسطيني من إرهاب، ولا ذنب لهم، لذا أرى أن نسمى الأشياء بأسمائها، ونقول اليهود، قاصدين بالتسمية أولئك المقتنعين بالتعاليم اليهودية، الذين قدموا إلى فلسطين وأقاموا فيها دولتهم قبل عشرات السنين، إضافة إلى أولئك الذين لم يأتوا بعد، وينتظرون القدوم إذا تحقق الأمن، وهم مقتنعون بأن من حق اليهودي العيش في فلسطين، ولا يبخلون بالنفس والمال على يهود فلسطين، إلى حين تحقيق ذلك الحلم.

      لقد اكتسبت لفظة (يهود) دلالاتها التراكمية الدامية لدى الشعب العربي الفلسطيني من خلال التجربة والاحتكاك اليومي مع الموت والدمار، وتكفى كلمة (يهود) لكي يستحضر الإنسان الفلسطيني من عميق التجربة ورقيقها وحشية الممارسة اليهودية ضده، وبشكل لم يسبق أن مارسه بشر ضد بشر على وجه الأرض، إن لفظة يهود تفرض على الفلسطيني أن يبدأ في نبش تل الهم والغم وقهر الرجال، وينثره مع ريح الحقد على كل الاتجاهات، ويطفق يخصف ورق التوت على عورة قادته العرب، ويوقد النار تحت عجزهم، وغلبة الرجال.

      ولنضرب على ذلك مثلاً بسيطاً جداً:
      فبعد مشاورات ولقاءات أمنية مكثفة، وتأكيداً على حب اليهود للسلام، وتشجيعهم لوقف إطلاق النار، وتعزيزه، قرر اليهود التسهيل على مليون ونصف عربي فلسطيني يتنقلون بين شطري قطاع غزة عبر الحاجز الذي يقيمه اليهود في منطقة (أبو هولي ـ المطاحن)، فاتفقوا مع المفاوض الفلسطيني على أن يفتح الحاجر دون عوائق، وأن يسمح للسيارات الخاصة الفلسطينية بأن تمر عبر الحاجز المذكور، ولكن بشرط يهودي:

      أن يكون في السيارة أربعة ركاب، أي أن يفتش صاحب السيارة الخاصة عن ثلاثة ركاب آخرين، يدفع لهم أجرة كي يعبر الحاجز الذي أقامه اليهود، أو أن يتنافس عكسياً مع سائق الأجرة فيعطي الراكب بدل أن يأخذ، وإن كان صاحب السيارة الخاصة متعجلاً، أو يلهث خلف موعد، ولم يجد في الطريق ركاباً يصعدون معه، عليه أن يترك سيارته ويعتلي سيارة الأجرة، ومن المؤكد أنه لن يجد ركاباً.

      فأين التسهيلات المذكورة؟ لقد أعطى اليهودي وأخذ ما أعطاه في نفس الآن، وكأننا أمام تاجر البندقية اليهودي من جديد، ولكن هذه المرة على الأرض وليس على الورق، وعلينا التفتيش عن محامٍ ذكي، يأذن لليهودي أن يقطع رطل لحم من الشعب الفلسطيني، وفق شروط العقد، ولكن دون أن تسيل قطرة دماء!!.

      إن ما يفعله اليهود بنا في هذا الشأن لا يبشر بظل السلام المزعوم، ويذكرنا بالمثل الشعبي في فلسطين، وبما قالت الحماة لكنتها، مع الاعتذار عن المشابهة: قالت لها: اسمعي يا كنتي، يا حبيبتي، مقسوم لا تأكلي، وصحيح لا تقسمي، وكلي حتى تشبعي.

* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 18-03-2005