يهود من اليسار، ويهود من اليمين!!!

د. فايز صلاح أبو شمالة

       

        اليهودي اثنان؛ واحد يميني متطرف غارق في التعاليم اليهودية، والثاني يساري أقل تطرفاً، متفتح يحلم بالصهيونية العملية، الأول يريد من الآخرين كل شيء دفعة واحدة، والثاني يريد من الآخرين صلب الشيء ولكن على دفعات، الأول يرى نفسه ابن الله ووكيله ووليه على الأرض، والثاني يرى نفسه مكلف من الله، ويسير وفق تعاليمه ويعمل بهدايته.

        الطرفان اليهوديان يسعيان إلى تمثيل مصالح المجتمع التي تتجاذبه التأثيرات الخارجية من ـ الآخر أو الغير ـ فتميل غالبيتهم مرة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار، وفق المصلحة العليا لليهود، ولكن إذا تعلق الأمر باليهودي نفسه، فإن حواجز القسمة تذوب، وتنفتح على بعضها خانات الحب والكراهية، لأن اليهود قد ينقسمون على القضايا التي تخص الآخرين، ولكنهم متوحدون على القضايا المختصة بمصالحهم، وهم متحدون ضد عدوهم الذين يسعون لإيجاده، ويحرصون على نفخه حتى يلامسونه، يوهمون أنفسهم أنهم يهابونه قبل أن يتآمرون عليه، ويدمرونه، وفي ذلك رسالة قوة لأنفسهم، ورسالة عنف للآخر الذي يتخيلونه يتربص بهم، ويستعد لمواجهتهم.

         في مقابلة مع مجلة "المقاتل"  قال "متان فيلنائي" أحد أعضاء حزب العمل، تعقيباً على إمكانية المواجهة بين المستوطنين والجنود المكلفين بإخلائهم؛ قال: إذا أطلق مجنون النار باتجاه الجنود فيجب المساس به فوراً، يجب مواجهة الخارجين على القانون بكل حزم وشدة" هذا الكلام الذي يبدو منطقياً، ويخضع لأبسط المواثيق والأعراف الدولية والمحلية والتاريخية التي سادت داخل المجتمعات، هذا الكلام البسيط الواضح استوقف الوزير "بنيامين بن اليعيزر" أحد قادة حزب العمل الإسرائيلي الذي يمثل غاية الطموح لطلاب السلام العرب في هذه المرحلة، قال "بن اليعيزر" في معرض تعليقه على هذه الأقوال الصادرة عن "متان فيلنائي": "إنني أعتذر عن تصريحات فيلنائي البائسة التي تذكي نار الحرب الأهلية بين اليهود وبعضهم البعض، إننا ننجز هنا استراتيجية انفصال وليس سفك دماء، يبدو أن "فيلنائي" نسي أنه يتحدث عن آدميين من اليهود وليس عن نشطين من تنظيم حماس، إن المقصود هنا هو إخلاء لمستوطنين وليس عملية تصفية لإرهابيين".

        تلك الأقوال العنصرية صادرة عن أحد قادة حزب العمل الذي يظن بعض السياسيين العرب أنه تحرر من الأفكار والتعاليم الدينية اليهودية، وأنه يمثل "الصهيونية العملية" أو اليسار الإسرائيلي المتفهم للواقع السياسي، ولكن جوهر أفكاره المأخوذ من تصريحاته يكشف عن يهودي يتخفى تحت قبعة العلمانية، وبهذه الأفكار لا يختلف كثيراً عن أشد المتطرفين الموغلين في التعاليم الدينية اليهودية، من أمثال الحاخام "دفيد مئير دروكمان، والحاخام شالوم دوف فولفا" فقد نقلت الصحف العبرية في 4/4/2005، عن الحاخامين بيانـًا جاء فيه:

        "إن الحكومة الإسرائيلية أعلنت الحرب ضد الله وتوراته، وهي ماضية نحو تخريب أرض إسرائيل، وإعطاء هبتنا لمنفذي العمليات ـ قاتلهم الله ـ وإدخال الملايين من اليهود في خطر، من أجل تنفيذ تلك الجريمة النكراء، إنهم يفسدون نفسية الجنود ورجال الشرطة الأعزاء، ويرغمونهم على مقاتلة إخوانهم لخدمة العدو".

        لا تختلف الفكرة لدى الطرفين وإن اختلفت اللغة التي عبر عنها من يقال عنه يمني متطرف، أو يساري علماني منفتح على العصر، هذا التوافق يعكس وحدة الرؤية من الصراع إذا تعلق الأمر باليهودي، بحياته، ومصالحه، ومكتسباته، ومغانمه فهو على حق دائماً،  وإن ما سبق يعكس تمايز الرؤية من الصراع إذا تعلق الأمر بالآخر، بحياته، ومصالحه، ومقومات بقائه، فهو دائماً مخطئ، ونواياه شريرة وهو على باطل ـ وهذا ما تغذيه التعاليم اليهودية ـ فاليهودي صاحب الأرض والحق، وغير اليهودي هو الغريب، واليهودي يحرم المس به وإيذاؤه مهما فعل، ومهما مارس من أخطاء، والقانون وجد لحمايته وخدمته، والآخر لا تشمله الرحمة مهما توسل، فالقانون وجد لملاحقته ومطاردته، ولليهودي حق الحياة والكسب كيفما يشاء، وللآخر حق القتل والموت والطرد.

        للآخر الموت حتى لو فتش عن ارخص حياة.!!!


* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 14/04/2005