فازت حماس وانتصرت فتح

د. فايز صلاح أبو شمالة


        بغض النظر عن عدد الأصوات التي حصدها كل طرف من طرفي التنافس الرئيسيين في الساحة الفلسطينية؛ فقد فازت حماس بقوة الحضور الفاعل داخل المجتمع العربي الفلسطيني، وأفسدت مقولات، وحطمت تنظيراً منافقاً أعاق دقة القرار السياسي الفلسطيني، لقد أبطلت نتائج الانتخابات البلدية استطلاعات رأي مأجورة لطالما أعطت لغير حماس الغلبة المطلقة داخل المجتمع لهدف في نفس يعقوب، فجاءت نتائج المرحلة الثانية في رفح والبريج وبيت لاهيا، وقلقيلية معززة لنتائج انتخابات المرحلة الأولى التي جرت في بني سهيلا، وبيت حانون، ودير البلح، وكشفت وجهه الانتماء عارياً أمام كل قارئ للخريطة الحزبية داخل المجتمع العربي الفلسطيني، والتي تؤشر على وجود قوة سياسية أخرى تحت اسم (حماس) وتؤكد تغلغلها في الواقع السياسي، وسريانها في شرايين المجتمع، وأنها باتت تتقاسم التأثير والحضور، وتغطي مساحة سكانية لا يمكن القفز عنها، وبالتالي يجب أن تغطي مساحة من القرار تتكافأ مع وزنها الثقيل، ويتغطى بها كل موقف مفصلي في السياسة الفلسطينية.

        لقد فازت حماس مرتين، وبغض النظر عن عدد المقاعد التي مثلها مؤيدوها في المجالس، فقد فازت مرة في حسن اختيارها لمرشحها، وأخرى في حسن اختيار فتح لمرشحها، إذا مثل الاختيار للمرشح الوطني الشريف النقي الطاهر الصادق القوي الأمين المعيار الذي التزم به الطرفان المتنافسان الرئيسيان، وهذا أهم فوز لحماس، وأهم نصر لفتح التي تقدمت بمنافسين متكافئين مع مرشحي حماس ـ مع الأخذ بعين الاعتبار إرث الفاسدين في السلطة الذي حمله على ظهورهم مرشحو فتح ـ فلم تختلف معايير الاختيار لدي المتنافسين، وفي كلا الحالتين فإن الفائز هو المجتمع العربي الفلسطيني الذي يبكي على لحظات الطهر والبراءة، والصدق مع النفس، وهو ما يعطي لفتح مفتاح النصر.

        لقد انتصرت فتح الكرامة على فتح المهانة، وفتح الشرف على فتح التطاول، وفتح الجماهير على فتح الغرف المغلقة، وفتح الصدق على فتح المناورة، وفتح التضحية على فتح التكسب، ولو اقتحم أحد المارقين حديثي ليقول: أنت تقسم فتح، وتحاول تمزيق وحدتها، لقلت له: إن كل غيور على فتح وضع إصبعه على وجع السنين الذي أنّ منه شعبنا، وأدمى فيه بعض الدخلاء على الوطن جبين فتح، ومزقوا جسدها، وجمدوا عقلها على حدود مكاسبهم ومصالحهم، وقصوا شجرها المثمر ليصنعوا منه سلماً لشهواتهم، لقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة أن فتية فتح الشرفاء الذين عملوا ثلاثة أشهر فقط من الإخلاص، والجدية، والمسئولية العالية، والتواصل مع الجماهير، وتقديم كشف حساب لكل سلوك، وإشراك القاعدة في تحمل المسئولية، والعمل بروح الفريق، وشفافية الاختيار الرائعة للمرشح، لقد أثمر عمل أولئك الفتية هذا النصر المبين لفتح، والذي وصل فيه التنافس على المقعد مع حماس إلى عشرات الأصوات لصالح فتح أو لصالح حماس، أي أن فوز أحد التنظيمين بأغلبية المقاعد في بعض البلديات المهمة قد توقف على مئة صوت فقط، وهذا أهم نصر ديمقراطي للشعب الفلسطيني الذي يفني رجال فتح وحماس الشرفاء أعمارهم لأجله، كل ذلك النقاء، ودقة التنافس ما كان ليتم لولا تلك الصحوة لشرفاء فتح الذين نفضوا ريش الحركة مما علق بها، ولولا ذلك لكانت النتائج كارثة على فتح، وهذا ما يعزز نهج التصحيح الذي ساد في الأشهر الأخيرة، وما يؤكد أن مزيداً من الشفافية، والتواضع، والنزول عن شجرة الكبر العمياء، وإقصاء بعض الرموز الصم البكم العمي لقادر على فرض معادلة جديدة، وسيضمن لفتح تقدماً مذهلاً مفاجئاً في الانتخابات التشريعية القادمة، وهو ما سيكون فوزاً لحماس التي تتمنى الوطن.

        إن كل حرب على فساد، وتصفية لرموزه؛ هو فوز لحماس ونصر لفتح، وكل محاسبة لفاسق سارق متجبر متغطرس لو تمت؛ هو نصر لفتح وفوز لحماس، وكل إطاحة بدكتاتور؛ وتغيير في واقع الظلم الاجتماعي الذي ساد زمناً هو نصر لفتح وفوز لحماس، وكل سيادة للقانون، وفصل بين السلطات، والاحتكام إلى الديمقراطية، والعدالة، والمساواة، والإخلاص والصدق هو نصر لفتح وفوز لحماس، وهو ما يلهث خلفه كل مسلم وطني شريف غيور.


* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 8/5/2005