رأس حزب الله في لبنان، قبل مفاعل إيران
بقلم : د. فايز صلاح أبو شمالة

        استشعر حزب الله الخطر الذي يحدق بقواعده وعناصره التي تهدد المدن "الإسرائيلية" في الشمال، واختار الهجوم السلمي طريقاً للدفاع، ودرءً لما يحاك ضده باسم الديمقراطية، أو غيرها من ذرائع، وهي خطوة أولى يفرض على حزب الله تطويرها في المستقبل، واستباق الآخرين الذين باتت حربهم مكشوفة، ومتسعة، فلا حاجة إلى عميق رؤيا لكل متتبع للتطورات السياسية على ساحة الشرق الأوسط، ليدرك أن "إسرائيل" كمنت وراء كل مؤامرة، وكل قاذفة، أو صاروخ تساقط على بلاد العرب، أو تفجير دمر حجراً، أو اقتلع شجراً في العراق، وأخرجته من خندق التأثير إلى غرفة التخدير، وهذا منطقي جداً بالنسبة لـ "إسرائيل" ، بل هذا ما يتوجب على كل قائد "إسرائيلي" أن يفعله في سبيل أمن اليهود المقدس، وإن لم يفعل ذلك، ويخطط له، ويسهر على تنفيذ الآخرين لحذافير ما خطط له؛ قضي على مستقبل "إسرائيل" ، وانهار أساس بقائها، ولا عيب هنا على "إسرائيل" التي طالما أعلنت عن نواياها، بل يقع العيب المهين على كل من أسهم في تحقيق الأهداف "الإسرائيلية" ، سواء بالتحريض على العراق والمشاركة في التآمر عليه، أو بالتشجيع على غزوه، أو بالصمت على ما رُتب له في العلن، وهو أدنى درجات التآمر.

        اليوم يستبق حزب الله الجميع، ويبادر إلى دعوة أنصاره للتظاهر في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، وفي ذلك رسالة تحدٍ إلى كل من يفكر في تقديم رأس حزب الله مطبوخاً على مائدة المصالح الضيقة، وإعلان صريح عن استعداد وقدرة حزب الله على إعادة صياغة المنطقة بمفهوم مغاير كلياً لما يراد لها، ولما يرتب من نزعٍ لبندقية حزب الله المقاتلة وكسر عنقها، وردمها مع صخور الجنوب.

        يأتي الاعتراض الميداني لحزب الله على المخطط "الإسرائيلي الأمريكي" في هذه المرحلة معززاً للمقاومة العراقية التي تتصاعد بشكل غير محسوب، وتشوش الترتيب المعد لمجمل المنطقة، وهو ما يعمل له ألف حساب، فبعد التخبط الأمريكي، والفشل في تحقيق النتائج المرجوة من غزو العراق ـ رغم التأكد من فاعلية الأنظمة في لجم الجماهير، والتأكد من تحنط الجسد العربي في معظم العواصم ـ تأججت نيران المخططات "الإسرائيلية" والأمريكية التي راحت ألسنتها تلتهم الغابة العربية، وتحرق الأخضر واليابس دون التفريق بين من أطاع، وبين من عصا، والهدف الاستراتيجي لكل ذلك هو إعادة تربية وتنمية أشجار الزينة وتنسيقها في كل الشرق الأوسط وفق الأسلوب "الإسرائيلي" لعشرات السنين، ولا شك أن من صلب هذا المخطط تدمير طاقة إيران النووية، وقد لمح إلى ذلك أكثر من مسئول "إسرائيلي" ، بل أعلن قائد سلاح الجو أن الطائرات "الإسرائيلية" تقوم بطلعات تدريبية على قصف أهداف بعيدة المدى، وفي ذلك غمز "إسرائيلي" إلى أمريكا كي تبادر إلى العمل الذي يحذر على "إسرائيل" أن تقوم به في المرحلة الراهنة.

        ضن هذه الرؤية فإن أخطر ما يهدد تنفيذ المخطط بعيد المدى المعد لمنطقة الشرق الأوسط، تتساقط قذائف حزب الله على مدن شمال "إسرائيل" في حالة توجيه ضربة لإيران، أو لمجرد أن تحوم القذائف والصواريخ في سماء إيران، وما سيعقب ذلك من تطورات قد تعيد خلط الأوراق من جديد، وتنسف المخطط الذي تسير على هديه الإدارة الأمريكية، والذي يقوم على إنضاج وقطف ثمار دول العرب واحدة واحدة، ووضعها في سلة السياسة الأمريكية بالترتيب الملائم.

        إذن لا بد من قصم ظهر حزب الله، وتجريده من سلاحه، وتصفية عناصره المعبئة بالإرادة أولاً، ومن ثم التوجه بالتهديد الجدي لإيران ثانياً، ولكن تصفية حزب الله يمثل المهمة الشاقة والأصعب في نزع سلاح إيران بعيد المدى، وتحريم السلاح النووي على منطقة الشرق الأوسط ما عدا "إسرائيل" ، ولا أحد يقوى على حزب الله في الميدان، لا تقوى عليه "إسرائيل" التي استسلمت لحماس والجهاد وكتائب الأقصى وأخواتها في فلسطين، ولا تقدر عليها جيوش أمريكا الغائرة في العراق، إن مهمة تصفية حزب الله لا يتجرأ على تنفيذها سوى يد ملوثة متآمرة في المنطقة العربية، وسلاح مأجور يحرف مضمون المواجهة من كرامة وكبرياء وتحرير للتراب، إلى تصفيات حزبية، وافتعال حرب داخلية، تحركها يد متدربة اعتادت على حمل سكين التآمر، وتسعى لأخذ المقابل المادي أو السيادي من "إسرائيل" وأمريكا!!

        إن في مبادرة حزب الله بالنزول إلى الشارع اللبناني خطوة تحذيرية، وإعلان حالة تيقظ يسبق فيها الآخرين، بل قد يبادر حزب الله إلى تسخين الحدود مع "إسرائيل" في زمن قريب جداً، لأن المواجهة المباشرة مع "إسرائيل" أرحم لحزب الله ألف مرة من المواجهة غير المباشرة، وعبر وسطاء مأجورين، بل منطق الأحداث في الشرق الأوسط يفرض على حزب الله، وهو متحرر من رغد السلطان، ومن فخفخة نفوذ رجال الدولة، ومن تكاسل ذوي المكاسب، يفرض عليه ألا ينتظر السكين "الإسرائيلية" التي تُشحذ في دول الجوار لتقطيعه، ذلك لأن التهرب لن يحول دون الوصول إلى النتيجة المرتبة المحتمة.

 لقد فشل العراق في درء أخطار المخطط "الإسرائيلي" الأمريكي رغم ما أوتي من قوة إقناع، ورغم ما ساقه من دلائل على عدم تملكه سلاح الدمار الشامل، ولكن دون جدوى، وبالتالي لن تنفع الثور الأخضر والثور المخطط، والثور الداكن، كل الحيل في التملص من أنياب الوحش الذي مزق جسد الثور الأبيض، وولغ في دماه.

فهل سيبادر تنظيم حزب الله وينفر بقرنه للنطاح، ويوسّع ساحة المنازلة، ويسقط مقولة حكام العرب: إذا أرادت أمريكا فعلت، ولا نشاء إلا ما تشاء، مثلما أسقط سابقاً مقولة: الجيش "الإسرائيلي" الذي لا يقهر؟؟!!!!

نسأل الله ذلك!!!


* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 08-03-2005