حماس، يا سيد يوسف القزاز،

د. فايز صلاح أبو شمالة


       
إنها حركة المقاومة الإسلامية حماس، هذا هو الجواب على لغز المقال الذي كتبه السيد يوسف القزاز في عاموده اليومي بصحيفة الحياة الجديدة، في 5/6/2005، وهو يبدأ مقاله، بجملة (بعض الأقليات الفصائلية أو الحزبية في بلادنا كرست حياتها لابتكار أضراس خشبية، من أجل التهام مفاهيم الأغلبية) إن بعض الأقليات هذه لطالما تعرضت لغمز الكاتب ذاته؛ الذي تعود على هذا الأسلوب من الكتابة التي تواصل الغم على العيون، والصم على الآذان، وتحرض على الكسل، ولا تستنهض ثورة في النفوس، وتعكس رضاً وهمياً عن النفس إلى حد عبادة الأصنام، الصلاة وراء الأوهام.

        لقد اتهم الكاتب في مقاله تنظيم حماس بأنه تنظيم الأقلية، وبهذا يكون قد أصدر حكما مسبقاً على قوة حماس داخل الشارع الفلسطيني، قبل أن يقول المقترعون في الصناديق رأيهم، وصادر بذلك نتائج الانتخابات التشريعية التي تم تأجيلها بقرار رئاسي ـ هنا لا أعلق على اتهامات الكاتب لأضراس حماس التي أدمت ظهر الأعداء بأنها خشبية، فهذا ليس مجال حديثي ـ متناسياً الكاتب عن قصد، وهو في حمأة الرد على رفض حماس لقرار الرئيس بالتأجيل، أنها قد حصدت مقاعد المجالس المحلية في انتخابات المرحلة الأولى في قطاع غزة، ونافست فتح بقوة في انتخابات المجالس المحلية الثانية، بحيث كادت عشرات الأصوات فقط أن تحسم النتائج لصالح طرف دون الطرف الآخر، فأين هي الأقلية وأين هي الأغلبية، أم أن الكاتب يتبع استطلاعات الرأي مدفوعة الأجر التي قامت بدور التعتيم على حقائق التطور على الأرض، وخداع بصر تنظيم فتح.

        أما أن يقول الكاتب: (كانت هذه القوى مناوئة للانتخابات التشريعية، ولاحقاً أيدتها) فكأنك هنا يا سيد يوسف لا تؤمن بالتغيير، ولا تهتم بالمستجدات السياسية القائمة على الأرض، أليست هذه سنة السياسة، ومنطق الأشياء؟ ألم ترفض فتح القرار 242، ثم وافقت عليه؟ وليس عاراً أن يقبل المرء شيئاً عارضه بعد أن ثبت جدواه، وتغيرت ظروف رفضه، وليس عاراً أن يرفض المرء اتفاقاً سياسياً بانت سيئاته، كاتفاقية أوسلو مثلاً، التي بات معارضيها داخل مجتمعنا الفلسطيني أكثر من مؤيديها، إن رفض حماس، ومن ثم قبولها المشاركة في الانتخابات التشريعية، مسألة أضحى يدركها من تعلم ألف باء السياسية.

        يبرر السيد يوسف القزاز قرار تأجيل الانتخابات بقوله (إن المصلحة العليا لشعبنا تتطلب هذا التأجيل لإفساح المجال أمام ترتيب البيت الفلسطيني صاحب الأغلبية في قول كلمة الفصل) ولماذا لا تكون المصلحة العليا لشعبنا في إجراء الانتخابات في موعدها الذي ظل الرئيس يقدسه حتى اللحظة الأخيرة، وهنا أقول لك: ليست حماس من حدد موعد الانتخابات، إن الذي حدد موعدها هو الرئيس أبو مازن، وكلامك هذا يمكن أن يقال بعد إجراء الانتخابات، وبعد أن تمسك النتائج بيديك النقيتين، وتعرف لمن هي الغلبة، والأغلبية.

        تقول يا سيد يوسف: (وإذا كان بعض المحتجين يخافون من الانزلاق نحو الهاوية فلماذا يطمحون للصعود نحو القمة لمحاولة أن يكونوا أكثرية، ولماذا التنطح للصاعدين) الذي يخاف يا سيد يوسف، هو الذي سعى بكل ما أوتي من قوة لتأجيل الموعد المحدد المتفق عليه، أما الذي يطالب بالالتزام بالموعد فهو شجاع، لا يخشى النتائج، أما من يقرر من هو الصاعد، ومن هو النازل فهي الجماهير التي أعطت ثقتها لمن صعد على الأرض، وفي الميدان، وفي ساحات الوغى، قبل أن يصعد على الورق، وفي صناديق الاقتراع.

        يقول السيد يوسف القزاز: (تأجيل الانتخابات التشريعية هو لأسباب قانونية، من أجل تسهيل اجرائها دون ثغرات، وقطع الطريق على أية محاولات تزوير على غرار ما جرى في مواقع محددة لانتخابات بلدية في بعض المحفظات الفلسطينية) وهنا نتساءل يا أيها الكاتب، من الذي وضع القانون، وأوجد السجل الانتخابي, والسجل المدني موضع الشك؟ ومن الذي شكل لجنة الانتخابات، ومن الذي أشرف عليها، ومن الذي حدد موعد الانتخابات، ومن الذي شارك فيها؟ ومن الذي تعب من أجل كسبها، ومن ومن ؟ وبعد ظهور النتائج تكتشف وغيرك من الجهابذة أن الانتخابات مخترقة، والقانون معطل بالثغرات، والآلية التي رسمت أنت، ومن معك معالمها خطأ، أي فلسفة تبرير للفشل هذه؟ وأي مدارس بيع كلام لا ينطلي على أطفال المقاومة والشهادة، والنصر المبين، لقد تغير يا سيدي، زمن الشعار الذي حاصره شعبنا بدمه.

        يقول السيد يوسف: (بعضنا يبرع كثيراً في إطلاق حرف لا، دون العودة إلى مراجعة بسيطة إلى أحجامهم وعدم زج أنفسهم للحديث باسم الآخرين) وهنا يمكن أن أقول لك: أن الصندوق الانتخابي الذي تأجل لهو القادر على أن يقرر الأحجام الحقيقية، فمن الذي سعى إلى أن يقول: لا، للانتخابات، ومن الذي سعى إلى تأجيلها إلى حين؟

        نعم، إنهم الأقلية في شعبنا؛ أولئك الذين ضغطوا على الرئيس أبي مازن ـ أنت وأنا نعرفهم جيداً ـ كي يؤجل موعد الانتخابات لمصالحهم الخاصة، وبعد أن تأكد لهم فشلهم في الانتخابات، ومهما حاولوا، ومهما سعوا لكي يمرروا على الشعب المضحى أكذوبة قد سال دمها، وتفلفلت بالرمل، ولن يفلحوا في الانتصاب بقاماتهم أبداً من خلال الصندوق الانتخابي.

        ولكي أطمئنك أكثر يا سيد يوسف، فأنا لست من تنظيم حماس، ولكنني حريص على حماس حرصك على فتح، وأيضاً حريص على فتح حرصك على فتح، هكذا علمتنا تجربة السجن، والحياة، ومدرسة الإيمان بأن الحرف إذا ضم إلى الحرف صار فكرة، والفكرة أمانة أودعها الله لدى كل ذي عقل سليم.


د. فايز صلاح أبو شمالة
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 06/06/2005