المسجد الأقصى ليس فلسطينياً
بقلم : د. فايز صلاح أبو شمالة

      لئلا يتجنى أحد على مقدسات المسلمين ويدعي وحدانية تملكها، فتصبح لقمة صائغة تحت طواحين الأعداء، ولئلا يتحمل أحد مسئولية أوسع من مدى رؤيته القطرية، ومجال طاقته، فيتعثر ويعثر مصير الأجيال، ولئلا يوظف أحد من نفسه سدادة لتدفق نهر المسئولية على كل الصحاري القاحلة التي ظمئت للكرامة، فيتواصل القحط والخراب، ولئلا يقع أحد في فخ تعظيم القدرات الذاتية، والإمكانيات الفلسطينية، فإن الواقع يحتم علينا الاعتراف بأن ليس في مقدور الشعب العربي الفلسطيني وحده مواجهة المخطط اليهودي الهادف إلى نسف المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه!!! حتى ولو كان في مقدور الفلسطينيين أن يواجهوا بإمكانياتهم المحدودة، ويتصدوا بصدورهم العارية، ويتَحدّوا بإرادتهم الثابتة، وأن يستشهدوا، ويقدموا الدماء، ولكنهم لن يستطيعوا وحدهم وقف هجمة عقائدية يهودية، مخططة، مدروسة، مبرمجة، منظمة، محددة المسار، واضحة الأبعاد، متعددة الزوايا، مرسومة المعالم.
      المسجد الأقصى مسئولية كل العرب والمسلمين، وعلى قيادة السلطة الفلسطينية رمي المسئولية كاملة في حجر مؤتمر القمة العربي، وجامعة الدول العربية، والمؤتمر الإسلامي، وذلك من خلال الدعوة إلى عقد مؤتمر طارئ تلقي فيه المسئولية التاريخية على كل أصحاب الشأن؛ المسئولين العرب الذين غمسوا أيديهم في مياه القطب الجنوبي الباردة، وكأن ما يجري على أرض فلسطين شأن لا يخص العرب، وما يجري في القدس من تحول ديمغرافي، وجغرافي شأن يخص أهل القدس وحدهم الذين تدنت نسبتهم في المدينة المقدسة إلى20%، في حين زادت نسبة اليهود فيها إلى 80%، ليصير العرب الفلسطينيون معزولين ـ بفعل تطوير مغتصبة "معاليه أدوميم" ـ عن بقية العرب الفلسطينيين المعزولين في شمال الضفة الغربية عن جنوبها!!، باعتراف اليهود أنفسهم كما وصف ذلك الكاتب "ميرون بنفنستي" في صحيفة هآرتس 24/3/2005 وهو يقول: "إن ربط "معاليه أدوميم" بالقدس أوجد مساحة حضرية واحدة متصلة تمتد علي عرض الضفة من خط تفرع المياه وحتى نواحي أريحا. هذا الامتداد الاستيطاني يعزل شمالي الضفة الغربية عن جنوبها بصورة نهائية، ويحول الأحياء العربية في مدينة القدس والقرى المحيطة بها إلى جزر معزولة مقطعة الأوصال.

      إن المسجد الأقصى يتعرض إلى أخطر وأشد هجمة تهدف إلى نسفه وتخريبه، وتدميره، واقتلاعه من جذوره، وإقامة هيكل اليهود مكانه، وفق تفكير وتدبير المنظمة اليهودية "ريفافاه" أو من يسمون أنفسهم أمناء جبل الهيكل، وهذا ما يحتم على القيادة الفلسطينية الوقوف أمام واجب كشف الغطاء عن عورة المستور في السياسة العربية، قبل الموعد المحدد لهجوم عشرة ألاف متطرف يهودي يوم الأحد الموافق 10/4/2005، مع ضرورة عدم التسليم بتنصل العرب من القضية الفلسطينية، وعلى سبيل المثال فإن ما قاله السيد (هاني الملقي) وزير الخارجية الأردني، بأن "البناء في "معاليه أدوميم" صفعة للقيادة الفلسطينية الجديدة ولأي محاولة للتوصل إلى حل يقضي بوجود دولتين في المستقبل"، إن هذا الكلام ينم على تهرب عربي علني من المسئولية، ما لم يخرج من فم كل زعيم ورئيس وقائد ووزير ما يشين على الوزير كلامه، ويعيب تفكيره، فإذا كان بناء المغتصبات، وتدمير الأقصى صفعة للفلسطينيين، فهل هو تشريف للأردن، ألا يمثل صفعة لكل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله؟ ألا يندرج كلام المسئول الأردني العربي المسلم تحت بند تهرب الأردن وبقية العرب مما يجري في القدس؟ ويأتي من باب تواصل التمزيق لمركزية الصراع التي ستفرض نفسها رغم أنف الجميع على الأمة الإسلامية؛ من اللحظة الأولى لبدء تنفيذ الجرم اليهودي المشئوم، ألا يحمل كلام الوزير الأردني تبرئة لأم العرب مصر من دم الأقصى الذي سيراق، وإعفاء لبقية الحكام العرب من البكاء والتحسر على مشهد السكين اليهودي وهي تحز، وتقطع في لحم المسجد الأقصى الإسلامي، وتقطر من دمه؟ ألن يعفر دم الضحية عل أسيل وجوههم، أو على لحاهم؟

      ضمن منطق المساعدة على التنصل يندرج تصريح أحد الوزراء الفلسطينيين السابقين، السيد ياسر عبد ربه في معرض رده على دعوة الشيخ أسامة بن لادن لتحرير القدس، حين قال: بأن قضية فلسطين، وتحرير القدس شأن فلسطيني داخلي، ولا نسمح لأحد بالتدخل في ذلك، ألا تصفع عصا الندم ظهر الوزير وقد هيأ لما نحن فيه اليوم من أنين، وتحسب!!
      على القيادة الفلسطينية عدم علك لجام وحدانية تمثيل القضية الفلسطينية، لاسيما في قضية القدس، رغم تمزق الأمة العربية إلى أمم، لأن استمرار التمزق العربي، والإسهام فيه، والاستعدادات الدولية الجارية لمزيد من تمزق دويلات العرب ـ العراق والسودان نموذجاً متقدماً ـ يهيئ لتمزيق ما تبقى من مُزق فلسطين إلى دويلتين؛ واحدة ممزقة في غزة، والثانية ممزقة في الضفة الغربية، لينسجم كل ذلك مع المخطط اليهودي؟
      إن نظرة مدقق إلى الميزانية السنوية لدولة إسرائيل التي تجاوزت 266.6 مليار شيكل لسنة 2005، بالمقارنة مع الميزانية السنوية للسلطة الفلسطينية التي بلغت 2229 مليون دولار فقط للسنة ذاتها، ـ خمسون ضعفاً تقريباً ـ يدرك استحالة مواجهة الفلسطيني الذي يتوسل إلى طعام إفطاره لتلك القوة الجهنمية الهائلة في إسرائيل، ما لم يحظ بكامل الدعم والإسناد والمشاركة الفعلية في تحمل المسئولية لكل العرب، والمسلمين؟ إن المقارنة لا تسمح بأن يظل بعد ذلك منطق في ترديد القول إن الصراع فلسطيني إسرائيلي؟ ذلك عارٌ!!!
      على الفلسطينيين أن يعودوا بالصراع إلى أصوله التي ينطلق منها اليهود، فهذه حقيقة الصراع، وليس النزاع بين طرفين كما تسميه إسرائيل، وبعض حاشية المطبعين الساقطين المتهافتين على أي صلح مع إسرائيل، يضمن لهم فخفخة السيارات، وحشد المرافقين؟؟؟؟
      فهل وقعت شخصياً في خطأ تسمية عنوان المقال؛ وأنا أفك الأقصى من قيود القطرية الواهنة لأطلقه قمراً يحلق بالكرامة في فضاء المسلمين؟؟؟ وحجر غضب يتلظى في حجر قياداتهم، ويحمحم بالخذلان إلى الجحيم؟


* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 06/04/2005