يا رئيسنا، ارحمنا، وأرحنا، يذبحوننا كل يوم، يفتلون شرايين قلوبنا سياجاً لأوهامهم، يستخفون بنا إلى حد الإهانة، يبصقون على نزف دمائنا، ويمدون أرواح الشهداء حبل غسيل لنواياهم المتسخة، ولا أحد غيرك يا أيها الرئيس المنتخب، يحسم الأمر، وله القدرة على اتخاذ القرار السريع القاطع في هذا الشأن قبل أن نتحول إلى فتنة، فقد بالغ اليهود ومن لف لفهم في الاستخفاف بعقول ومشاعر الشعب الفلسطيني، فما زالوا يطيلون الحديث عن منازل المستوطنين الذين سيخلونها، والتي سيمنّون بها علينا، ويتمنون علينا أن نحافظ لهم عليها.
المستوطنون سيتركون منازلهم لا حباً بنا يا أبا مازن، وإنما كما قال (شاؤول موفاز) وزير حرب إسرائيل: ( أن تدمير منازل المستوطنين سيؤخر عملية الانسحاب، ويزيد من سوء الانطباعات عن إسرائيل في الخارج) فهلا عرفت السبب يا أبا مازن، وقد أتى على مثل هذا
الكلام قبل ذلك الداهية شمعون بيرس؟!.
وهلا تتدخل بشكل سريع وقاطع؟ وتصدر قراراً رئاسياً تشفي به غليل أبناء شعبك، تعلن أن كرامتنا، ونخوتنا، وشرفنا، وكبرياءنا، ودم شهدائنا، وعذاب جرحانا يحتم علينا الرفض المطلق تسلم جسم الجريمة المتمثل بمنازل المستوطنين في قطاع غزة، وتقطع بذلك دابر كل أولئك الذين يلهثون لمغنم صغير على حساب القِيَمِ، والدمِ، والهِمَمِ، ولنا في هذا المجال بإخواننا المصريين أسوة حسنة، عندما رفضوا تسلم مستوطنة (ياميت) إلا مهدمة على ذاكرة من خططها، وركام يندب على من بناها!!
يا رئيسنا، هلا تبلغ جميع الجهات الدولية والعربية؛ بأن الشعب العربي الفلسطيني يرفض أن يرى ما يذكّرهُ بدمه الذي سفك على يد المستوطنين، ونحن نحاول تقطيب الجرح النازف، وعليه نحمّل حكومة شارون مسئولية إزالة الجريمة، ودفن جيفة العدوان التي سيتركها المستوطنون خلفهم، وتحميل شارون كل التكاليف المالية التي ستترتب على إزالة ما خلفوه من حجارة حقد وكراهية، وإننا نرغب أن نراهم يدمرون بيوت خطيئتهم بأيديهم!!.
يا أيها الرئيس، إذا كانت لفظة (موفاز) رئيس الحرب الإسرائيلي تعني الذهب الخالص باللغة العبرية، وهو حقاً ذهبٌ خالصٌ لليهود بني قومه، وبني دينة، ومخلص لهم، فهل لنا بين أصحابنا العرب الفلسطينيون (موفاز) لا يسمح بتسويق كلام موفاز، وبيرس، ويقطع عليهم باب التقول عن إمكانية الإبقاء على منازل المستوطنين؟
أنت يا رئيسنا، من يقدر على قطع الطريق على كل من يحلم أن يكون موفازاً لليهود ونحاساً للفلسطينيين، أولئك الذين يسهمون في احتقار عقولنا، ويستخفون بما نراه بأم أعيننا، ونعرف تفاصيله بدقة، وسأذكر لك نموذجاً، على سبيل المثال في هذا المجال:
لقد ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت باللغة العبرية: أن البنية التحتية للمياه في المستوطنات التي سيتم إخلاؤها ستتحول إلى الفلسطينيين بعد الانفصال دون أي مقابل.
فهل بُلّغْتَ من مستشاريك يا رئيسنا، تفاصيل هذه المنحة الاستيطانية الإسرائيلية، التي سيعطوننا إياها دون مقابل؟ أو هل أبلغوك عن قيمتها بالأرقام؟
أقول لك: إنها عدد 28 بئراً تمتد على مسافة 14 كيلو متراً من شاطئ دير البلح حتى رفح، حفرتها شركة (مكروت) الإسرائيلية قبل ثلاثين عاماً، حيث تقدر قيمة معدات الحفر بعشرات الآلاف من الدولارات فقط، بطاقة نضح مياه تقدر ب 2 مليون كوب سنوياً، وفي مقابل ذلك، تمكنت الشركة الإسرائيلية خلال ثلاثين عاماً من استنزاف ثروة الشعب الظمآن المائية لصالح المستوطنين، وبالتالي أفقدت المياه الجوفية نسبة كبيرة من عذوبتها، فكم تبلغ قيمة الخسارة التي لحقت بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة بسبب هذا الاستنزاف، وهل تعوض عشرات ألاف الدولارات قيمة الخسارة التي يمكن حسابها بالأرقام؟
إنها حاصل ضرب 2 مليون كوب في 30 سنة، في دولار ثمن كوب الماء الذي باعته لنا إسرائيل، وحاصل ضرب ما سبق يساوي 60 مليون دولار!!!
فكيف نرضى بالتوصيف الإسرائيلي لسرقة مياه غزة ثلاثين عاماً؟ ونردد بأن إسرائيل ستتخلى عن البنية التحتية للمياه دون مقابل!!!
أصرخ عليهم يا أبا مازن، وقل لهم: أنزلوا برادعكم عن ظهرنا، وانصرفوا، إننا نكره أفعالكم الوحشية ضدنا!! انزعوا نصل سكينكم المغروز في قلوبنا، وانصرفوا، خذوا شفرتكم التي تحزُّ في وريدنا، اقطعوا حبال المستوطنات التي تشنقنا، ارحلوا مع ريحكم التي تعسف الشوك في عيوننا، ويا ليته يكون رحيلاً أبدياً، فخذوا مخلفاتكم، واقلعوا كل ما يذكرنا بكم، خربوا بيوتكم بأيديكم، ونسأل الله المطر كي يغسل وجه الأرض من آثار خطواتكم.
قل لهم يا أبا مازن، أننا لن نقبل الديّة عن أرواح الشهداء، فكل مخلفات المستوطنين وتركتهم لا تكفي ديّة لشهيد واحد، ولا تعوض الثاكل عن فجيعتها، ولا تخفف من عذاب ليلة سجن واحدة، ولا تعادل تأوه جريح، إن قبول تركة المستوطنين تعني تنسيق الانسحاب معهم، لتتحول هزيمة شارون من طرد للغاصبين بالقوة، إلى انسحاب متفق عليه، ومنسق!!
يا أبا مازن، نحن في انتظار قراركم الحاسم القاطع الذي يضيء أحلامنا، ويطفئ أضغاثهم، فهل سيسمح لنا قراركم بتعليق صورتكم مع إطار من الذهب الخالص!!!
د. فايز صلاح أبو شمالة
fshamala@yahoo.com
تاريخ النشر : 05-03-2005