د . فاروق مواسي

صلوات أديب رفيق
بقلم : د . فاروق مواسي


أديب رفيق محمود ابن عنبتا الفلسطينية. عمه الشاعر الذي حمل روحه على راحته... وألقى بها في مهاوي الردى- ذلك هو عبد الرحيم محمود الذي سلم روحه في معركة(الشجرة) ، وبقيت كلماته شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء........
ولعلنا لا نغمط أديبًا إن نحن عرّفنا عليه بمن له به وشيجة، فهكذا اعتاد نقادنا أن يشيروا إلى بيوتات الشعر وزهير بن أبي سلمى مثَل.
أصدر أديب ديوانه الأول صلوات على مذبح الحياة والموت ضم اثنتين وعشرين قصيدة - تكررت طباعة إحداها مرتين بلا مبرر- ، وهو يهدي ديوانه إلى "الشهداء الأبرار وإلى الأم الأولى والأخيرة - وهي بالطبع – الأرض".
وإذا كان الشاعر الحق هو الذي تستطيع أن تستشف له هوية ، وتكتشف له شخصية، ففي تقديري أن أول سمة بارزة في شعر أديب هي حشد أسماء النباتات في ثنايا قصائده. فلا تكاد تقرأ بضعة سطور إلا تلاحظ البوص والقصب والكرز والصفصاف واللبلاب والحور والسرو والدردار والبتولا والبصلون والنرجس والشربين والرند والعناب والحنون.... وسواها كثير.
ولا يسعنا هنا إلا أن نفسر تفسيرًا فذًا لهذه الظاهرة - وهو شدة تعلق الشاعر بالأرض ووجده بها حتى لكأنه يحفظ نباتاتها ، وتشمخ أمامه في كل فكرة وخطرة.
وهذه الظاهرة لاحظتها كذلك عند شاعرنا الزجلي سعود الأسدي ، ففي مقطوعاته طيور ونباتات تشكل ارتباطًا وثيقًا بطبيعة بلادنا الجملية.
لنعد إلى (أديبنا)... ولنقرأ نموذجًا زاخرًا بهذه النباتات يأتي بها لتشاركه في عذاباته:

يا حب القلب عذاب الروح يعريني
فاخصف ورقات التوت
النرجس يذوي في ليلي والفلّ يموت
........................
هذا الطحلب يكسو مراة الحَور العالق
بذراع الصفصاف الباكي في جنح الليل
        (ص 21)
وثمة اعتبار سمة أخرى، لكنها ليست بارزة بروز النباتات على أرضية شعره، وهي أنه لا يرعوي من استعمال الكلمة العامية مثل- صندل، كباكيب شفاطة. بسطار، جنازير تسرك.. إلخ وبقدر ما نراه متساهلاً في العبارة فإنه يلجأ إلى كلمات معجمية ، فهو يستعمل (شلحة) آنًا و (مجسد) آنًا آخر ، و (حِجة) مرة و (عام) مرة أخرى:

تبقين ألف ألف حجة
تبقين ألف ألف عام
                (ص7)

وهنا ما جدوى تكرار المعنى الواحد بألفاظ مترادفة؟
ألا يتحقق التأكيد لو قلنا: (تبقين ألف ألف مرة).
والميزة الثالثة التي تبدو لي في ديوانه هي اللجوء إلى الرمز والإبهام والإشارات التاريخية، وقد تكون بعض الأوصاف غير مطابقة لواقع الشاعر:

ردي يا بابل أردية الليل الأعمى عن شجر الرز
وأصداف البحر العذراء                    (ص17)
                أرأيت دماء تسري في إسفنجة ثلج ؟
        (ص8)

ومثل هذا الشعر يذكّر بالشعر المترجم. والإغراق في الإشارات التاريخية يحيل القارئ إلى مراجعة تاريخية صرفة. ففي قصيدة "تنهجي فيها مجدك" يلمح الشاعر إلى (تروموبولي) و (ستالنجراد) و (مرثون) و (سلاميس) و (مؤتة) و (بلاط الشهداء) وبعضها أسطوري : (هكتور) و (هيكابي) وانتهاء بحوض (الميكونغ) وتحصينات (ديان بيان فو)- كل ذلك ليقول عن (تل الزعتر) إنها أمجد وأخلد:

إلا الأسماء نهجيها..........
نتهجى فيها مجدك يا تل الزعتر
                (ص93)

ونجد عند أديب البساطة وألفة الشعر ، فهو يزور القدس ويقول:

لأنني أحب أن أسير في الشوارع المبلطة
احتال حين قبض راتبي على صغاري
                أقول: لم أجد لكم من الدمى سوى المكعبات
                (ص23)

وشعره عن يافا بسيط وموح ، ومن خلاله يتبدى الشاعر أنه مؤمن أسوة بشعراء الواقعية الاشتراكية... يؤمن أولاً بالمودة- التسمية التي سبق أن أطلقها نزار على الفداء- يقول أديب:

يا عرق قمحنا ويا عجيننا وخبزنا
ويا غناء صبحنا أيا عصية الزمام
تبقين رغم سورة الصدام     كفنا
التي تعبد الطريق صدرنا    الذي
                يحقق السلام
                (ص7)

وهو وإن وزع الكلمات بصورة مجزأة وتضمينية، كما هي في حالة الوردة على أرض الواقع- فقد أتى على وحدة المعنى والإصرار الذي يحقق. وشعراء الواقعية الاشتراكية يبحثون عن الثورات في مواقعها... يكرمون أبطالها ، ويحسون خلجاتها ، ويتنفسون أنفاسها. وشاعرنا في "نوبة رجوع" (ص54) يخاطب (إتكاما) وهي في صحراء تشيلي:

يفرح الصبار والشوك يغني
كيف لا؟ ما أمرعت منذ سنين
إتكاما
شربت نترات تشيلي وارتوت
من نوافير الضحايا
                من دموع البائسين
                (ص54)

وحرصًا على القارئ العادي فقد آثر أن يختم ديوانه بتعريفات وتوضيحات للإشارات التاريخية والرموز التي استعملها ....وهنا لا بد من تحبيذ:

أ) لو رتبها ترتيبًا هجائيًا لكثرتها.
ب) لو استوفى الشرح عن بعض الشخوص. فمثلاً لا يكفي أن نشير إلى " يوناثان " أنه أحد شخوص التوراة من غير أن نبين علاقته مع (داود) ، وكذلك يجب استيفاء الشرح عن (سانتا ماريا ).........الخ
ج) لو استوفى كل الأسماء والتعريفات الغامضة التي أغفلها :(الشروبيم)، (الطاق)، (الإيلخاني).

نخلص إلى القول إن شاعرنا نبتة من نباتات أرضه ، يبحث عن الثورة فيها والرفض. أدواته تتفاوت ببساطتها، وبعبرها التاريخية. وهو يصلي صلاة الحياة والموت، والحياة والموت يندغمان في موسيقية حزينة. ونختتم حديثنا بما كان قد افتتح به الشاعر ديوانه - مؤكدًا على نغمة التفاؤل والإيمان:

في قلبي تنمو الأغنية المنغومه
تتسلق أغصان اليأس
وجدران العدم الساحق
.......................
لا أعجب إذ تنمو أغنيتي
في أدراج الليل السوداء
كي تزهر في الصبح النادي
                (ص5)
أيار/1978

د . فاروق مواسي
تاريخ النشر : 01/05/2005

الرئيسية
سيرة إجمالية
مراسلة
الموقع
صفحة الكاتب