قصيدة ولدت متأخرة ، لشخص مات مبكرا
على شرفة الموت الموسمي
بقلم : فادي عاصلة ـ فلسطين

من جرحي المملح ببعض حزنكم ...
سأقطف بعض نخيل جنوني ...
سأقول أني ذات يوم كنت ...
في الزمن الذي يسبق الفجر بدمعة ...
أسابق الريح نحو أرضي ...
وأروي ما لي من بحة القمح ...
سأقول أني ذات يوم بكيت ...
كطفل يداعب أشلاء دميته
الممزقة في زاوية الاحتضار !!!
في اللحظة التي تسبق الصبح ...
سأقول أني ذات يوم ...
لن أقول ...
يكفي ما سترويه أزقة الجرح ...
هذه أرض عليها ما يستحق العناء ...
يكفينا أن نروي كل صباح حكايتها ...
مع فنجان القهوة المكتئب ...

قبل أن نمضي كعصفور في سرب الفناء ...
هذه أرض زرعنا أرواحنا في حجر ثورتها...
فكيف لا ينمو سريس ثورتها في الدماء ... ؟
أحرس آخر زيتونة تبقت ...
وآخر شبر تراب ...
وأنادي من قحف الحناجر ...
كيف تقلعون البقاء ...
فيصرخ نصف الشارع العربي ...
ويتمزق النصف بين الهوية والانتماء ...

أرى حيرتكم فأبكي ...
كإبل تودع رجفة الصحراء ...
وتبكي ...
كل الجنان دون صحرائي عراء ...
أرى حيرتكم فأبكي ...
كليل الجنون المسافر في كف المطر
اتتأرجحون بين جنة الذل
وبين رصاص الكبرياء ؟
أرى حيرتكم فأبكي ...
ويعانقني خجل الرجولة كنسيم تشرين
في نرجس الجليل ...
وكل الرجولة تصب قوالبها أحياناً في جسد البكاء ..
سأحرث الأرض كما جلدي ...
وأزرعها بباب الموت ليمون رعب ...
ورمان عشق ...
من الكرمل الباكي على صدر حيفا
حتى مدخل السماء ...
وأنبثق كنحل يفتش بين أروقة الزهر ...
عن عبير لملمه من صدور الشهداء ...
هذا الشهد الملائكي ...
لن يفنى وإن مزقت صدورنا أشلاء ...

اليوم جئت ...
وأعتذر عن المجيء ...
عذراً لأني جئت في الزمن الرديء ...
قلبي منبر العاشقين مغلفاً بوجعي ...
وصدري بالوجع مليء ...
لكم أن تحرثوا صدري ...
في كل المواسم !!!
لكم ان تضمدوا فمي بالرصاص المبعثر
بالسلاح ...
لكم أن تحفروا خارطة أرضي فوق جمجمتي
بالقنابل بالسنابل بالجراح ...
سترون عيوني تقابلكم بالزهر المقفى
بالكفاح ...
هذا جسدي فدوسو عليه ...
وارموه لكلاب الأثر ...
سترون الكلاب تشد صوبكم النباح ...
هذا صدري منزلي المؤقت ...
حتى يقتلع جبروت الليل صباح !!!

في رجفة الليل المسافر كما عيناك حبيبتي ...
ينثال شعرك فوق دمعي ...
أغنية لها مدها اللفظي بين الناي والغياب ...
فيمضي كما آخر الطريق ظلك ...
وتسأليني : آلا باسم بعض الشوق متى يموت هذا العذاب ...
فأقبلك بصمت ، ألا ربما حملت القبلة بعض الجواب ...
أرى وجهك ما زال يراقبني ، فتصفعني طعنة العتاب ...
أرى حزنك كنخيل بغداد ...
حينما رحلت القيادة ، وبقيت العروش للكلاب ...
أرى وجهك تبسمين حين أحمل
في قبضة التاريخ همس المقاومة وثورة السحاب ...
هذا الوجوه ورق !!!
وهذه أطفالنا عيدان ثقاب ...

الآن تنطفأ شمعة النفق الأخير ...
وتذوب كما عيناك في آخر المرحلة ...
باريس شكراً ...
زرعت فينا بعض الأمل المسافر ...
علك تحفظين بعض خدود الياسمين ...
باريس شكراً على كل المساعي ...
باريس شكراً ...
ما عاد الأمل الغريب يجدي ...
بصدر شعب يكتوي بالقتل الجماعي ...

صارخاً كغبار الملح يفتق أشرعة الجروح ...
في بعض حزني
لا يفل الحديد إلى الحديد ...
فأحفر من ضلع النوار قهري ...
على شرفة الإحتضار الموسمي ...
أحفر إسمك من جديد ...
ياسر ، وكاسر ...
هذه الأرض عليها ما يستحق الحياة ...
فأندب في كل البقاع ...
روحنا عاصفة ...
والوطن آت فوق سفينة دم
يمخر عباب الوريد ...
" يريدوني أسير أو طريد ...
وأقول لهم شهيد شهيد ... "

حملت نشيد الرعب في أغاني العاشقين ...
تبكي عند منعطف الرحيل ...
وتجهش في رعشة الكلمات ...
عند حافة الارتجاف ...
فيختنق رذاذ الصرخة ببحة السكين الرابض
فوق صدر الطرقات ...
ويكتوي بعض بارودي في حجر أوراقي
فتغتال بعض علامات السؤال ...
رافداً كالنيل فمن ينقذ النيل من السبات ...
لم يضم تراب القدس خديك ...
ولم يعانقك ثرى اليابوس في آخر المشوار ...
فبكت نرجسة ...
أحبك ... حياً ...
أحبك أبياً شقياً ...
أحبك ولو رفات ...
أبكيك ...
يا فينيق القرن العشرين ...
راهنوا على قبرك ...
من رام الله إلى القاهرة ...
أحبك ولو رفات ...
أمة العصر العربي ...
ودو لو دفونك قبراً على عجلات ...
تارة تبكي مع نخيل بغداد ...
وتارة تجاور السادات ...
وتبقى أبياً شقياً ...
تزور المنافي ...
فكلها ذات وجه يبداً في صليل المقاطعة ...
وينتهي في عرفات ...

ثارت العاشقين ...
هائجة في جبهة المفازة ...
تعانق رمل الحزن نحو خارطة الريح ...
لعل وجهك نسجته أروقة المنافي
على صدر الغربة الذبيح...
لعل عيناك تأتي من قوافي البكاء ...
لعل شفتاك تقتل صمت الضريح ...
لا قبلة الوداع الأخيرة ...
لا نظرة الضياع الأخيرة ...
دفونك في خلسة من العيون ...
كمن يدفن عار ليستريح ...
لدى ثلة المناصب ...
لا فرق بين التابوت وبين الصفيح ...
أرى عيناك تزمجر ..
. عذراً أبا عمار ...
هذا الواقع الصريح ...
مزيداً من الملح ما
عاد يهم الجريح !!!

من يضمد هذا النزيف... ؟
يصفعني صمت الصحاري بباب حزني ...
وينثال بعض غيم العبرات ...
فيمضي الربيع حين أضناه الخريف ...
فأبحث في قحف العواصم كخيل تدب الأثر
في جبهة الموت ...
يصمت الشارع العربي و يبكي الرصيف ...
" حتى يرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا ...
علم القدس الشريف ، علم القدس الشريف ... "

فادي عاصلة / عرابة / الجليل / فلسطين