أسعد... الهدية لم تصل بعد !!!
بقلم : فـادي عـاصلـة ـ عرابـة


فـادي عـاصلـة
إن كانت الحروف تهدى بطرود جرح ، فلا أملك غير هذه العلبة التي لملمت فيها بعض عثرات الدرب مغلفة ببعض شرايين المرحلة علها تكون جسراً لكي تعود ...
أسعد عاصلة وصلتني الهدية ... ولم أجد طريقة للرد أكثر من كلمات ربما تصلك حيث أنت ...

البارحة في ساعة متأخرة من القهر ، خلال عودتي لبعض حزني ، استوقفني جسد هزيل بابتسامة مصحوبة بمحاولة اللعب ببعض أعصابي المتناثرة كخريف العمر في جليلٍ يكابد تحت قارعة التمزق... وقال " هذه العلبة هدية لك ... "
دهشت كثيراً ... فأنا في عمري لم أتلقى سوى هديتين ، مرض أقعدني الفراش أشهر ، ووداع شهداء رووا بدمهم أرض عرابة ...
البارحة في ساعة متأخرة من الجمر ، وصلتني الهدية قال لي صاحب الظل الهزيل هذه الهدية ما هي إلا عبارة عن تعبير محبة وتحية على ما تكتبه في الصحف وخاصة حوارك الأخير مع عميد شعراء المهجر الشاعر أيمن اللبدي ، صديقك قرأ الحوار وأعجبه ما تكتب ويقدم لك هذه الهدية ...
سنين طويلة يا أسعد فكيف عثرت علي في منعطفات الصحف ، وفي أروقة الصفحات الالكترونية ، بعد هذا الضياع الذي أبعدنا سنين ...
أسعد كيف وجدتني ؟ كيف عثرت علي في ردم الحروف ، في سيل الهموم ، كيف انتشلتني من الجماجم المهشمة ، من الصدور المنهوشة، من الاجساد المحترقة ...
غريب أن تصل قصائدي وكلماتي إليك ، وأن تقرأها وأنا الذي لم أكن أعتقد يوماً أننا ربما نلتقي في خندق صحيفة ، أو في تلال النصوص ،أو في أنهار الحبر الأليم ...
أسعد عاصلة شاب فلسطيني شق بيديه النازفتين غده ، وصنع ووصل إلى ما لم يستطع غيره من الوصول ، ترك عرابة كي يبني غده ، منذ خمسة عشر عاماً وما زال صلب الارادة ، صاحب اصرار غريب ، وتقوى وايمان ليس لهما مثيل ...
خرج للدراسة في جامعات ألمانيا ، وهناك التصق بالجالية المسلمة ، وبالجالية الفلسطينية ، عاد إلى الجليل مناضلاً ليزور العائلة والاقارب ، عاد لأمه الكبيرة في السن ...
عاد إلى عرابة ولم ينسى حق الدين والواجب ، فسافر من عرابة إلى كفرنا كنا من أجل الاستماع إلى درس ديني ، هناك استوقفه بضع رجال شرطة واقتادوه إلى المركز ، حياه الضابط وقال له : " اسعد حبيبي هتيك شلخا كمو هكير هزي أل تعسي اوتو كاخا " ( ملفك أبيض كهذا الجدار فلا تجعله هكذا ... وأشار إلى نقطة سوداء ...
أسعد هنيئاً لك السواد ... وبعض السواد ضياء ، وفي بعض الضحك بكاء ، وفي بعض الرحيل بقاء ...
أسعد صديق مخلص ، وجار طيب ، وأخ غالي ، افترقنا منذ سنين ، ولم أكن أعرف أنه يتتبع كلماتي وكتاباتي من الغربة ، عن طريق الصحف والمواقع ، حتى أستدل إلي وأرسل لي هدية كي يقول أكمل ما زلت معك ...
أسعد كيف سرت في زقاقات نزفي كل هذه السنين ؟ كيف خبأت الحصار بعيداً ؟ كان الحري بي أنا أن أتذكرك ، فاختلسني الزمن من بعض ثرى ذكرياتي ، لتعود أنت تنبش السنين باحثاً عن بقاي صرختي في شحوب الورق المكتئب من خلف أسلاك الحدود ... غريب أن تذكرني في هذه الاجازة الاسبوعية من عناء انتهائي ومن حر دمائي ...
أسعد هي عرابة ما زالت عرابة ، وهي الأزقة ما زالت ، عدا عن بعض التغيرات ، فما زالت الأرصفة تنحب في عصف التهويد ، وما زال طبقات الغبار ... لا لم تزل بل انطقلت من زقاقات الحي لزقاقات جسدي ، والبيوت بدأت تتراكم وهاي هي عرابة تخط الزحف نحو أن تصبح مدينة ...
أسعد قلت لي مرة " أنهي دراستك كي تأتي معي إلى ميونخ وتدرس هناك " أسعد ليس غريباً أن أتذكر الآن أوراق غسان كنفاني وما زال يقول لا لن آتي بل أنت عد ، عد يا صديقي فكلنا شوق إليك ...
أسعد هل تذكر تلك العبارة التي قلتها قبل خمسة سنوات ، أدهشت الجميع حين قلتها " ما بحمل الهم إلا صحابو" أسعد غريب أن تأخذ هذه الجملة ببساطتها طابعاً مميزة ، حين كانت هذه العبارة مجسدة للموقف بصورة غريبة ، ولا أنسى كيف صرت ترددها في كل جلسة ، وفي كل رسالة ، قبل أن تنقطع أخبارك ... أسعد " ما بحمل الهم إلا صحابو ... "
أسعد خمسة عشر عاماً وما زال الكل يحبك ، خمسة عشر عاماً وما زلت تطأ أروقة الفكر ، وتمشي فوق رمل الصدور وتضحك وتقول " ما بحمل الهم إلا صحابو " ...
الآن وبعد كل هذه السنين ... عدت من عناء المسير ، ومن طعنة الأيام ، من منافي الزمن اللائك أعصابنا ، من غربة المواقف ...
أسعد وصلت الهدية ولم تصل ، لم أجد طريقة لمراسلتك ، فاليك حيث أنت هذه الكلمات كي تعرف أني قلم ما زال حياً وما زال الحبر يسيل كدمي ، وما زلت أحن إليك ... أسعد على أمل ان تعود ، وحين تعود تصل الهدية ... فليس أغلى منك رؤيتك هدية ...
أسعد ليس أعظم شرفاً وأسمى قدراً من أنهي شظايا هذا النص بشظايا صدر غسان كنفاني ... لأقول ... عد يا صديقي فكلنا شوق إليك ...

فـادي عـاصلـة ـ عرابـة
Fady_asly@yahoo.com
Jalile1948@hotmail.com