لا أدري كيف وجدت نفسي هنا ... وجدت نفسي بحاجة إلى الكتابة وإلى النقد اللاذع وان حقد بعضكم علي ، وددت لو أملك الصراخ ، في وجه كل الصحف والاذاعات والمراسلين .. هنا فلسطينيو الداخل في النقب والمثلث والجليل ، جزء من القضية الفلسطينية ، لهم مدهم التاريخي الفلسطيني والعربي ، وددت لو أصرخ : فلسطينيو الداخل ، هم فلسطينون وليسوا من جنوب الهند أو من افريقيا .
ربما الاحداث المتكررة والنقاط المهمة والتي تقابل بصمت اعلامي مخيف ، هي من ضمن الأسباب التي دفعتني إلى كتابة هذه السطور ، .. لقد حاولت البحث مراراً عن عدسات المصورين وأقلام الصحفيين في ساعات الحاجة الحرجة ، وفي اللحظات التي نحتاج فيها لصوت وكلمة حق .
القرارات تتضطرب ، والموقف بات خطيراً ، والاحداث تتسارع ، وخطة الانفصال في غزة تحدث عنها الجميع بإسهاب ، فيما صمت الجميع عن خطة الترانسفير والتهجير ولم يتحدث عنها أحد.
الغريب العجيب ، هو أنه وفي نفس الوقت الذي وقعت فيه اسرائيل على فك مستوطناتها في غزة ، وقعت أيضاً على هدم ثلاثين ألف منزل فلسطيني داخل اسرائيل ، دون حدوث أية ردة فعل عربية أو فلسطينية !
في الوقت الذي تتسارع فيه الاحداث ، فقد كانت المواجهات في حيفا ، والحصينية ، والقدس واللد ، مواجهات عنيفة ، وفي بعض الاحيان كان هناك اصابات واشتبكات ، اضافة إلى المظاهرات ، وخيم الاعتصام ، والقرارات الخطيرة ، والمواقف النضالية ، وآلاف الأحداث المهمة التي تصيغ خارطة الداخل الفلسطيني النضالية من الجانب الفلسطيني، و القمعية والديكتاتورية من الجانب الاسرائيلي .
وفي الوقت الذي كنا فيه بحاجة إلى التصعيد الاعلامي بغية فضح الانتهاكات الاسرائيلية بحق الانسان الفلسطيني ، بما في ذلك سياسة مصادرة الممتلكات وهدم البيوت والمساجد وتحويلها إلى متاحف ، ومن ثم محاولة الارتقاء بالقضية الى المستوى الذي يليق بها ، عربياً وعالمياً ، كان الاعلام غائباً متلاشياً .
في ظل كل هذه الظروف وبينما كان الجرحى ينزفون في الكرمل ، والبيوت تهدم فوق أصحابها ، لوحظ غياب أقلام كتابنا الأشماء ، كما غابت عدسات مصورينا الأشاوس كذلك ، وخيم الصمت المريب في الخارج على عكس ضجيج الداخل .
كان صعباً علي أن أفهمها لوحدي ، تلك السياسة الخاصة في الوضع الاعلامي اليوم ، حتى قالها لي شخص محنك سياسياً يتبوأ مقعداً صحافياً وفكرياً مميزاً ، قالها بكل ألم :
يجب أن تدرك ان للاعلام سياسته الخاصة :
اولاً من الجانب العربي ، تتمتع الأقلية العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر بنوع ما من الديمقراطية والحرية في الحديث غير موجود لدى الدكتاتوريات العربية التي تحرص بالطبع ، على عدم نقل "عدوى" الديمقراطية اليها ، لأن أي نوع من أنواع وصنوف الديمقراطية قد يشكل عامل بلبلة بالنسبة للأنظمة العربية التي لطالما مارست سياسة ترويض مواطنيها على عبادة وإجلال الحاكم وحاشيته .
ثانياً بالنسبة لإسرائيل فليس من مصلحتها أن يكون العالم الغربي على إطلاع بما يحدث من قمع تجاه من يفترض أنهم مواطنيها من الأقلية العربية الفلسطينية ، وكيما تواصل تسويق نفسها كنموذج للتطبيق في عالم عربي ، تعتبره دكتاتورياً مستبداً وتريد له أن يبقى كذلك .
وعودة إلى مواجهات حيفا والتي سقط فيها العديد من الجرحى ، وكانوا في غالبيتهم من عناصر الشرطة الإسرائيلية ، وحيث كان (ياهف) رئيس بلدية حيفا من أول الهاربين ، وبمجرد سماعه لأول صرخة غضب أطلقها الفلسطينيون من سكان حيفا الذين عبروا عن رفضهم لمحاولة هدم منازل العرب في المدينة .
كان لا بد من معرفة ان الاعلام في الداخل الفلسطيني أضحى مشلولاً تماماً ، وأن القليل مما يتم نشره من أخبار عن الداخل الفلسطيني ، ما هو إلا لسد الرمق ولستر عورة الاعلام العربي .
يجب ان نعترف جميعنا بالخطأ ، وان لا نتنصل من المسؤولية ، ومقصلة التاريخ ستمر حتماً فوق رقابنا ... هناك آلاف الصور المؤلمة والمؤثرة والتي كان بالامكان استخدامها لتبيان معاناة فلسطينيي الداخل ، لو أن صحفي الـ "اتيكيت" سمحت له مكانته الصحافية بالتوجه إلى المطعم الشعبي الذين يودون هدمه ، لكن ما حدث بالفعل ، هو أن صحفي الـ "اتيكيت" هذا ، اشترط ارسال الخبر مطبوعاً وموثقاً بالصور إلى مكتبه لكي ينشره !!!
وصحفي آخر يقول في حوار صريح مع مناضل فلسطيني : "اذا كنت معنياً ان تتحدث الصحافة عن نضالاتكم لا مانع لدي ، شرط ان تكتب التقارير ، وترسلها على عنواني الخاص واياك ان ترسلها على عنوان الصحيفة" . ربما الأخبار هي شخصية !!! وليس هناك أوضح من هكذا تصرف غير مسؤول لإثبات أن المصالح الشخصية الضيقة باتت تتحكم بالعديد من القضايا .
لا بل ذهب الأمر ببعض الصحفيين البؤساء للقول : " رئيس التحرير ما بحب العوج ، واللي بدو اياتو بصير .. واحنا شو منقدر نعمل ، عبد المأمور ، ولقمة العيش غالية" .
ختاماً نقول : كفانا ضياعاً .. يا وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ، ولنعطي الانسان الفلسطيني حقه .. لنعطي الاديب والباحث ، نصف ما نعطيه ( للهيفاوات ) ، ولنحمل صفحاتنا الشاحبة بالاصفرار بعض الكرامة ، ولنمنح للواقع جزء من اذاعتنا بعيداً عن الأغاني الفاضحة والساقطة ، والتسويق الجنسي ، واغاني الاغراء والتفاهة .
بات اعلامنا بارداً كردة فعلنا ، ان لم يسقط عشرون شهيد ما تحركنا ، وان لم يهدموا البيت ما تحرك لنا ساكن . صحافتنا صفراء ونعترف بخزيها ، واذاعتنا متكورة في البغاء ، وروتانا تتحصن في بيوتنا من ردة لن تأتي ، وأخبارنا العربية نصفها متردد والآخر خجول ، ومراسلونا تسمع بعض الكلمات ، ويصيبها الصمم في النصف الآخر ، الآن يجب علينا جميعاً البكاء ...
من يمنعني من الحقد ؟ من يمنعني من كراهية كل الناس ؟ ومن ركل أي شيء أراه امامي حتى مستقبلي ؟
لنفتش عن أقرب جدار ولنضرب رأسنا به ، علنا نصحوا من غفوتنا ... فأصوات الحق تنادينا .... !!!
أعود بعد شهور من العناء
محملاً بالعشق ، يسبقني الحزن لشعاع المآساة في آخر الطعنة !!!
أعذروا لي نشوة الموت
لا أستطيع ان اقول اكثر مما قال مظفر : "البعض يقول قاسياً وبذيء ... أروني موقفاً أشد بذاءة مما نحن فيه ؟"
أعذروا لي نشوة الموت
وفرحة الاحتضار
صغار الدمع تفتش في مقلتي عن منفذ
تاريخ القهر مضرم بصدري
وسفر الحرارة
جأتكم أحمل بيدي حلمي
على شرفة الخيبة
كليل البكاء الاخير ...
هاكم دمي
فأرشفوا نبيذ الانتصار من هزيمتي
وأصرخوا
فليمت أطفال الحجارة!
أعذروا لي
طيشي ومراهقتي وانفعالي
جأت في ردة الليمون
والصيف يحرقني
عشرون شهيداً
والآتي أكثر ...
هنيئاً البشارة
جاء ولي النزف
يحمل أعاصير الانتقام في خطوط يده ...
والفضيلة في عصر العولمة
دعارة ...
أشعلوا الشرايين
لعل الأوردة في ظلام الأفئدة ...
منارة
أعذروا لي خرافاتي
وكلماتي البائسة
فتشت في ضفتي حنجرتي
عن شيء أعيد به نسج أملي ...
فكان وجهي عواصم الفرح
وقلبي منافي المرارة
أعذروا لي حزني
وبؤسي ودموعي
أي شيء يعيد البسمة ما بعد الخسارة ؟
لنرتشف الخمر مع اليهود …
ونبات ليلتنا على رمل العهر
بين العذارى …
لا أذن بعد اليوم مؤذن
ولا دقت أجراس النصارى
هنيئاً لأمة قبلتها روتانا …
ومذهبها عجرمي
في غاية الطهارة …
أعطونا بعض ما عندكم من أفخاذ
مللنا اللهاث …
أعطونا أجسادكم العارية
وخذوا ما لنا من حضارة
نحن الخارجون من الهزائم المتكررة ...
العراق يشهد اننا جبناء ...
وفلسطين تشهد اننا قمة في الحقارة
فادي عاصلة /عرابة/الجليل/فلسطين
Fady_asly@yahoo.com
Jalile1948@hotmail.com
06.06.2005