أبو مازن والملف الأمني .. والمالي
بقلم : محمد فؤاد المغازي


محمد فؤاد المغازي
النسبة التي حصل عليها أبو مازن في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة لا تعكس تقديرا لشخصه أو لدوره الذي كان وما يزال موضوعا للخلاف بين جميع الفصائل الفلسطينية ومن بينها حركة فتح نفسها. ولكن يمكن اعتماد نتائج الانتخابات لقياس مكانة فتح في المجتمع الفلسطيني..والأهم اعتماد الانتخابات كمقياس للجهد الذي قامت به مجموعة أسلوا..في إنجاح واحد منهم.

فما جري من انتخابات كان مسابقة غير متكافئة منذ البداية بين حركة فتح من جهة وبين مرشحين بلا دعم مثل د. مصطفي البرغوثي..فهو بتكوينه وكفاءته كان أفضل الجميع..وفي رأيي كان وقوف حماس والجهاد على الحياد وعدم دعم مصطفي البرغوثي كان خطأ اتسم بضيق الأفق السياسي تجلي فيما بعد في تصريحات تجار أسلو المتعجرفة. فبرنامج مصطفي البرغوثي إن لم يكن مطابقا لبرنامج حماس والجهاد فهو على أقل تقدير كان أقرب إليهم من برنامج تجار أسلوا.

وقد ذكرتني الانتخابات الفلسطينية وموقع حركة فتح منها بحالة حزب الوفد قبل ثورة يوليو فقد كان هناك شعار وفدي غريب يقول:" إذا رشح الوفد حجرا لأنتخبناه " وقد ينطبق شعار الوفد على حركة فتح مع تعديل طفيف يمكن صياغته على النحو التالي " إذا رشحت فتح مَسْخَّا لانتخبناه ".
وهكذا وصل أبو ماسخ للسلطة الماسخة والتوجه السياسي الماسخ وصولا لنتائج هي مسخ في مسخ..ولا تتناسب مع تضحيات الشعب الفلسطيني بأي معيار..لكنها الأكثر برجماتية وتنسجم مع المطلب الإسرائيلي والرغبة الأمريكية والأوروبية.

ملف الأمــن :
بعد الانتخابات..سيحكم حركة أبو مازن ومجموعته ملفان: الملف الأول هو ملف الأمن ويمثل العلاقة بين السلطة والعزيز شارون. والملف الثاني: هو الملف المالي ويمثل العلاقة بين فساد القيادات الفاسدة .. والشعب الفلسطيني.

بداية فإني أشير إلي أن استخدام مصطلح تفاوض لما سيجري بين أبو مازن وبين شارون هو استخدام خطئ ومصطنع وفي غير مكانه، ولا يتناسب استخدامه بين طرفين أحدهما يملي والآخر يطيع ..فالتفاوض عادة يجري بين أنداد، قد يكون بينهم تفاوت في القدرة ولكن لا يستخدم بين أطراف أحدهم يجلس أمام الآخر عاريا والآخر مدججا بالسلاح.

أمر آخر قد يكون من المفيد تذكير القارئ به..فقد ظهر أبو مازن وأمام العالم وفي حياة ياسر عرفات بمقولته الشهيرة والتاريخية:
" أن ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس صراعا .. وإنما خلافا"

وهذه المقولة تفضح وبشكل واضح ومباشر قناعته وتوجهاته. وهذه المقولة قد حددت سقف المطالب وأسلوب التعامل فيما سيجري بشأن القضية الفلسطينية إلي حين رحيل أبو مازن إلي مثواه الأخير. وعليه فإن لقاء أبو مازن مع شارون لن يكون لقاء على أرضية تفاوض، وإنما الأقرب للصواب هو لقاء للحوار والتشاور بين أطراف لا يفرقهم أو يفصلهم عن بعضهم قضايا خلافية جوهرية .. كقضية الاحتلال مثلا .. أو قضية اللاجئين..أو قضية القدس..أو قضية كيان الدولة الفلسطينية ودورها وحدودها وتسليحها..كل هذه الأمور سطحية ولا ترتقي إلي مستوي الصراع..وبالتالي يمكن الحوار من حولها وحلها بالطرق الودية والسلمية..كما يري أبو مازن!!!

إذن فهو لقاء ودي شكلا..وبعيدا عن الخلافات الجوهرية موضوعا وينسجم مع مضمون مقولة أبو مازن، فالمختلفين في الرأي لا يحتكمون في فض خلافاتهم إلي السلاح !! وبالتالي فإن مسعى أبو مازن في تجريد الفصائل المقاتلة من السلاح تحت شعار " فوضي السلاح " ينسجم هو الآخر مع رؤيته في إنهاء الخلاف الفلسطيني - الإسرائيلي..وهو شرط إسرائيلي لا يقبل المساومة أو التفاوض.

أما جدول الأعمال للقاء المرتقب بين أبو مازن والعزيز شارون سيتمحور حول موضوع واحد هو ملف الأمن:
" أمن إسرائيل..مقابل أمن السلطة المتمثلة في جماعة أسلو"
وملف الأمن بمضمونه السابق لا يشكل قضية خلافية بين أطراف الحوار..وذلك أن تجسيد ملف الأمن على أرض الواقع يحقق لأطراف اللقاء أبو مازن وشارون مطالبهم. فإسرائيل تريد أن تنتهي من الملف الفلسطيني أو تحجمه بحيث يصبح ملفا ثانويا..لتنطلق في متابعة تحقيق مشروع سيطرتها على المنطقة. وجماعة أسلو في حاجة إلي كسب الوقت حتى يتثنى لها تحجيم الفصائل الفلسطينية المقاتلة من جهة ومن جهة أخري إتلاف الملف المالي للسلطة..والذي يتجاهل الجميع الحديث عنه أو مجرد ذكره ألان، وكأنه أغلق برحيل ياسر عرفات ودفن معه.

أما الطريق إلي تطبيق الاتفاق الأمني فسيمر عبر العودة إلي اللعب على وتر معاناة الشعب الفلسطيني..استخدموا هذه اللعبة في السابق ومنحهم الشعب الفلسطيني فرصة وصبر حتى تكشف كذبهم..لكن احتمالات العودة لنفس النهج واردة، فالفاسدون يدركون جيدا أن الشعب الفلسطيني هو أكثر شعوب الأرض معاناة، وأكثر شعوب الأرض حاجة لالتقاط الأنفاس، ورغم مأساته اليومية لم يتنازل ولم يتزحزح قيد شعره عن حقوقه..ولن تنطلي عليه ألاعيب المفسدين.

كذلك يدرك الشعب الفلسطيني أكثر من الجميع أن من يتاجرون بمعاناته ليس من بينهم فرد واحد في السلطة الفاسدة يعيش معاناته..فرد واحد فقط..فالجميع ينعمون بالمتاجرة بآلام هذا الشعب البطل !!!!
وبدلا من البدء في تطهير السلطة من الفساد والمفسدين وهو مطلب الشعب الفلسطيني منذ زمن.
بدء أبو مازن أولي خطوات باللقاء بالفصائل الفلسطينية وخاصة المقاتلة منها لأنها وحدها هي التي تملك تبديد خططه وتجعل وجوده مثل عدمه. والفصائل الفلسطينية تدرك جيدا أن نزع سلاحها يعني الانقلاب السلمي عليها كمرحلة أولي..بعدها يتم التفريط في الثوابت الفلسطينية خطوة خطوة كما تعلموا من العزيز هنري كيسنجر وسيكون سندهم عندئذ هو رفع شعار الواقعية كمبرر في التفريط والتنازل.

ونحن نعتقد أن إسرائيل في المرحلة الحالية سوف تمنح أبو مازن وجماعة أسلو فرصة حقيقية تمكنهم..أولا من إعادة وتوسيع بناء المؤسسات شبه العسكرية الفلسطينية والتي ستكون أغلبها من كوادر فتح ومؤيديها..وهي التي ستتولى نزع سلاح الفصائل المقاتلة..وثانيا إحراق ودفن الملف المالي..لأن وجوده يعني تهديد مستمر لرموز كثيرة من الفاسدين والمفسدين..يواصلون الاحتفاظ بمواقعهم في السلطة.

محمد فؤاد المغازي

تاريخ النشر : 25.01.2005