هل تغيرت أفكار جماعة الإخوان .. حقا؟ أم تغيرت جلودهم؟
الأستاذ سامي شرف أنا ... معك
بقلم : محمد فؤاد المغازي


محمد فؤاد المغازي
في الآونة الأخيرة سلكت جماعة الأخوان في مصر تكتيكا في العمل السياسي غريبا على تاريخها السياسي فقامت بالاتصال بأحزاب سياسية من بينها الحزب العربي الديمقراطي الناصري، وحزب التجمع الشيوعي.

بعد اللقاء بين الناصريين وجماعة الإخوان نشر بيانا أو إعلانا ورد فيه ما أثار الأستاذ سامي شرف (وزير رئاسة شئون الجمهورية في عصر جمال عبد الناصر) خاصة فيما يتعلق بإغلاق ملف العداء بين المتحاورين من جماعة الأخوان والناصريون ممهورا بعبارة تقول: أن ملف جماعة الأخوان مع جمال عبد الناصر قد أغلق، وأن حساب جمال عبد الناصر متروك لله سبحانه وتعالي .. وكأن حساب جمال عبد الناصر لم يكن على أجندة السماء .. إلا أن وافقت تلك الجماعة بإحالة ملفه إلي القضاء الرباني!!!

هذه الإشارة المتعلقة بملف جمال عبد الناصر .. قد وردت بالنص وبنبرة تشفي في كتاب عمر التلمساني الصادر في عام 1980 قال فيه:" ولئن كان عهد جمال عبد الناصر، قد انتهى بما سيحاسبه الله عليه حسابا عسيرا ".

(أنظر كتاب: عمر التلمساني. قال الناس ولم أقل في حكم جمال عبد الناصر. ص11)

والألفاظ هنا تفضح صاحبها. وهذا يعني أن موقف تلك الجماعة منذ أن أدخلت نفسها في دوامة العداء مع جمال عبد الناصر وثورة يوليو لم تخرج منها بعد. وقد يقول قائلا: أن التلمساني أصبح هو الآخر في رحاب ربه وقد تغيرت أمور كثيرة .. بما يطرح شكلا جديدا من العلاقات بين المؤمنين بالمشروع الناصري، وبين أتباع تلك الجماعة.

لا مانع .. إذا كان الأمر كذلك فأتوا لنا بقيادي واحد من جماعة الإخوان قال كلمة حق في جمال عبد الناصر أو مشروعه منذ أن بدأ عداء تلك الجماعة لعبد الناصر ولثورة يوليو منذ بداية الخمسينات.. وحتى اليوم!!!

ولأني أدرك أن تحقيق مطلبي مستحيل .. فإن سؤالي يحمل قدرا من المشروعية.

هل تغيرت أفكار جماعة الإخوان .. حقا؟ أم تغيرت جلودهم؟

فما كتبه التلمساني لا يمثل رؤيته وحده، ولا هي رؤية محصورة بفترة زمنية انتهت .. وإنما هو موقف ثابت سابق على التلمساني ومستمر من بعده، نموذج سائد ومتكرر بين النخبة المسيطرة على تلك الجماعة، وهم مفطورون على الكراهية والعداء لعبد الناصر وثورة يوليو.

لهذا لم يكن غريبا أن يبدأ كتاب التلمساني بجلدته السوداء المملوءة بالدخان الأسود رمزا لعهد عبد الناصر. أما ما جاء في سياق الكتاب فقائمة اتهامات لم تنتهي بانتهاء آخر صفحة فيه. وَسَنُـذَكِّـرْ كل ناصري .. وكل محايد لم يقرأ الكتاب أو يضطلع على الإنتاج الفكري والدعائي لتلك الجماعة .. بعَيِّنَة من الاتهامات وردت في هذا الكتاب.

كتب التلمساني وبالنص:" إن ما حدث في الماضي جرائم متعمدة ومخططة ومدروسة للقضاء على الإسلام، ومن الخير أن يباعد كل ذي نية طيبة، ورغبة صادقة، في العمل للإسلام، لابد أن يباعد ما بينه وبين العهد المنهزم بكل ما يستطيع، وليس في عهد جمال عبد الناصر إلا إهدار الكرامة، وإذلال الأحرار، وتحطيم الأخلاق، والتطاول على العقيدة، بقصد القضاء عليها في نفوس المؤمنين.

ليس هذا بقولي وحدي ولكنه قول جميع المسلمين في مختلف بقاع الأرض، إلا القلة المتوارية المتربصة من المنتفعين، أعداء الدين." (أنظر: نفس المرجع السابق : ص 17)

فإذا كان التلمساني يطلب من كل الناس أن ينئوا بأنفسهم ويبتعدوا عن نظام عبد الناصر الذي أرتكب كل هذه الجرائم والمعاصي في حق الدين والناس، فإن نداءه يتحول إلي أوامر واجبة الطاعة والتطبيق في إطار جماعة الإخوان .. وبالتالي يسد كل سبيل في أي لقاء مع الناصريين، خاصة إذا أدركنا أن قيادة تلك الجماعة الآن من بين تلاميذه .. أو من بين رفاقه.

كما أورد هذا المرشد في شهادته أرقاما حول الوضع الاقتصادي والمالي في مصر قبل قيام الثورة فذكر أن مصر:" ...استقر اقتصادها استقرارا كاملا، بل كنا نداين إنجلترا بمبلغ أربعمائة مليون جنيه إسترليني. (نفس المرجع السابق. ص 38)

وأن تكاليف حرب 1967 وصلت إلي 54 ألف مليون جنيه. (نفس المرجع السابق . ص 57)

ولم يكلف التلمساني نفسه عناء التدقيق في الأرقام التي وردت في قائمة اتهاماته لجمال عبد الناصر ونظامه احتراما لنفسه .. المهم عنده هو حشد أكبر قدر من الاتهامات .. وصياغتها نثرا وشعرا.

وقادت كراهية هذا المرشد _ لعبد الناصر ولثورة يوليو _ خطاه في الوقوع في أخطاء تفضح أكاذيبه وبشكل لا يحتاج لأي جهد من خصومه. فمن بين الأكاذيب التي روجها في كتابه هو أن قَـدَّمَ ثروت أباظة (الكاتب)على أنه واحد من الضباط الأحرار، وأتخذ من شهادته المعادية لناصر وثورة يوليو دليل إثبات وعلى طريقة " شهد شاهد من أهلها " .. ولم يكن ثروت أباظة أحد الضباط الأحرار، وإنما كان المقدم وجيه أباظة، وقد اعتقدنا أن ثمة خطأ مصدره تشابه في الأسماء، لكننا وجدنا أنه كرر أسم ثروت أباظة مقترنا بعضويته في تنظيم الضباط الأحرار، واستند إلي شهادته في العديد من صفحات الكتاب ( أنظر المرجع السابق: ص 40، 89، 99،).

أما شهادة ثروت أباظة الذي لم يكن يوما عضوا في تنظيم الضباط الأحرار عن ثورة يوليو وجمال عبد الناصر .. فكتب التلمساني يقول:" استمع إلي ضابط من الضباط الأحرار، السيد ثروت أباظة يقول .. لقد استطاع العهد الماضي أن يدمر كل القيم، ثم هو جلب الفقر والخراب على الشعب، فازدادت القيم موتا وخذلانا وذبولا. هؤلاء الرؤوس أذناب العهد الماضي صنعتهم الأيدي النتنة التي كانت تحكم مصر قبل 15 مايو 1971.

بعد ذلك يأتي تعقيب وتحليل التلمساني على شاهدة ثروت أباظة المزيف .. فكتب يقول:

" أن حكم جمال عبد الناصر جلب الفقر والخراب على الشعب...والفقر يمكن أن يكون فيه وجه تسامح، أما الخراب فالشئ الذي لا يمكن أن يكون معه إصلاح إلا أن يشاء الله على أيد غير التي جرت الخراب، لأن المخربين لا يمكن أن يكونوا زعماء أو مصلحين.

فهنيئا لجماعة الإخوان بالانفتاح الاقتصاد، وباعتراف بإسرائيل، وبالديون، وبملايين العاطلين عن العمل .. إن لم تستحي فعليك أن تكون مرشدا !!

ويضيف التلمساني من عنده : "هذا هو جمال عبد الناصر الذي استعطف خروشوف في موسكو بإعلان الحرب على الإخوان المسلمين. قدم دعاة الإسلام ضحية لدعاة الإلحاد. أنا لا ستطيع أن أكفر مسلما نطق بالشهادتين، ولكني أترك الحكم فيه للذي جعل قاع جهنم مثوى للطغاة الظالمين." (راجع المرجع السابق. ص 40، 41)

هل تحتاج هذه الروايات الملفقة .. وبهذا الأسلوب الوضيع لتعليقات؟ لا تعليق!!

كما أورد مرشد جماعة الأخوان قائمة من جرائم الفساد التي شملت كل نواحي الحياة في المرحلة الناصرية ليبرهن على فساد النظام الثوري وقيادته .. تبدأ بتبذير المال العام في صناعة السينما إلي التبذير في نفقات بناء السد العالي مرورا بكل قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والدينية في مصر.

لم يترك التلمساني عملا يمكن أن ينظر إليه بشكل إيجابي ويحسب لجمال عبد الناصر وثورة يوليو، إلا وكما يقول المثل البلدي " طلع فيه القطط الفطسانه". وما سقط من ذاكرة التلمساني حول قوائم التهم .. استكمله من بعده مرشدا آخر .. أو واحدا من القيادات الحاقدة التي جاءت من بعده.

والغريب أن قائد الثورة المضادة وقائد ثورة 15 مايو (سابقا) هو الوحيد الذي حظي بإشادة هذا المرشد .. فكتب يشير إلي وجود علاقة بينه وبين السادات، وعن الأعمال العظيمة والجليلة التي قامت بها جماعة الإخوان لثورة يوليو .. فهي التي مهدت:"...الأرض أمامها، فوقف شباب الإخوان يحمون المنشآت لأنهم أملوا في الرئيس السابق _أي ناصر_ خيرا، ولكنهم لم يحنوا الرؤوس أمامه...وما كان هذا الموقف الكريم المخلص ليرضي ذلك الوتر المشدود، فتنكر للإخوان، وجحد مواقفهم وزيفها، وفعل بهم ما لم يفعله حاكم في التاريخ بأي ممن خالفه رأيه، وأنكر عليه ظلمه وطغيانه. وشاء الله أن يفرج الرئيس السادات عن جميع معتقلي ومسجون الإخوان، وهذا إقرار من سيادته بظلم تلك الإجراءات العنيفة البغيضة، وهذه يد اعترف بها الأخوان لسيادته صراحة في الصحف، ولم يجحدوها." (عمر التلمساني. مجلة الدعوة. العدد 25. سنة 1976. ص4)

وللتدليل على أن عصر عبد الناصر كان عهدا ليس فيه إشارة لخير، فقد أورد التلمساني بقائمة من الشهود الزور.. يأتي السادات الشاهد الأول .. تتبعه أسماء مصطفي أمين، جريدة الوفد، علوي حافظ، ثروت أباظة، جلال الدين الحمامصي، إبراهيم سعدة، أحمد أبو الفتح .. وآخرون وحدهم عدائهم لجمال عبد الناصر والناصرية .. وبهذا سقطت عنهم سمة الشهود العدول فقواعد الاستشهاد تتطلب أن يكونوا شهود الإثبات من الشخصيات المحايدة وذات السمعة الطيبة، وأغلبهم مشكوك في حيادهم، وسمعتهم السياسية والأخلاقية والوطنية.

ثم يأتي دور مجلة " الدعوة " المنبر الدعائي لجماعة الإخوان .. في إطار الحملة المستمرة ضد جمال عبد الناصر وثورة يوليو .. حيث الصقوا بالثورة وقائدها كل الكوارث التي لحقت بالمجتمع المصري منذ 23 يوليو 1952 .. وحتى بمجتمعات أخري. المهم هو طول لائحة الاتهام .. هذه عينة من التهم التي روجتها مجلة الدعوة:

_ أن العدوان على جمال عبد ناصر في الإسكندرية عام 1954 تمثيلية دبرها النظام.
_ وصف جمال عبد الناصر بالطاغية.
_ وأن جمال عبد الناصر هو الذي مكن الشيوعية في مصر.
_ وأن جمال عبد الناصر كان معاديا للإسلام. حتى ما فعله عبد الناصر في قطاع الأزهر والتعليم الديني كان تخريبا للتعليم والدين .. وقلص دور الأزهر بدعوة تجديده.
_ وأن جمال عبد الناصر قد أخذ فنون ووسائل التعذيب عن إسرائيل.
_ وأن زعامة جمال عبد الناصر قد تأسست علي التزوير.
_ وأن مساندة نظام جمال عبد الناصر لثورة اليمن لم يكن إلا بغرض تعطشه إلي العظمة الكاذبة.
_ وأن كارثة 1967 هي السبب الأول والأخير فيما نحن عليه اليوم.
_ وأن جمال عبد الناصر قد تنكر لجماعة الأخوان ولدورهم، وفعل بهم ما لم يفعله حاكم في التاريخ..الخ.
كما ورد في مجلة الدعوة العدد 57 الصادر في 14/1/1981 ما يلي: " نسمع كثيرا أن التاريخ يتعرض للتزوير! فمثلا تذكر كتب التاريخ المدرسية أن حريق القاهرة في 26 يناير 1952 كان وراءه الإنجليز والقصر الملكي، بينما يذكر الأستاذ حسن العشماوي أحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين أن عبد الناصر هو الذي دبر حريق القاهرة، مستندا لوقائع وأدلة قوية، ولعل ذكر هذا الحادث تنبهنا إلي أن تاريخ هذه الأمة يتعرض كثيرا للتزوير." ( مجلة الدعوة. العدد 57 . 1981. ص 4. )

ومن يدقق في قوائم الاتهامات الكاذبة سوف يتأكد له أنها اتهامات وردت في كتابات قيادات تلك الجماعة وبشكل دوري الغرض منه هو استمرار التحريض لأتباعهم ضد جمال عبد الناصر وثورة يوليو ولكل الناصريون .. فهل يعقل أن يطمئن أي ناصري لتلك الجماعة؟؟

لم تتوقف قيادات جماعة الأخوان المسلمون عند الاتهامات الواسعة، فراحوا يعيدون تكفير جمال عبد الناصر حتى وصل عدد المرات التي كفروا فيها جمال عبد الناصر إلي ستة مرات:

فقد جري تكفير عبد الناصر للمرة الأولي من قبل الأخوان المسلمون عام 1954 بعد فشل محاولة اغتياله في الإسكندرية.

وصدر تكفيره للمرة الثانية بعد عقد صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا عام 1954، على اعتبار أن السلاح التشيكي سلاح كافر لأن مصدره دولة شيوعية ملحدة.

أما تكفيره للمرة الثالثة فقد جاء عقب قرارات التأميم عام 1961، وكان سندهم في ذلك هو أن النظام الناصري بسياسة التأميم قد تدخل في مشيئة الله مصدر توزيع الثروة، وكأن نهج التأميم يحدث لأول مرة، أو هو أسلوب غريب عن الفكر الإسلامي.

أما التكفير الرابع لجمال عبد الناصر فكان بسبب صدور الميثاق الوطني عام 1961، حيث أعتبره الأخوان المسلمين أنه بديلا عن القرآن، وإحلالا للماركسية، مستدلين على ذلك بمصطلح "الاشتراكية العلمية" التي وردت في أحد فقرات الميثاق، وهنا يتفق الإخوان المسلمين مع لجنة الأحزاب حول وحدة التفسير لمصطلح "الاشتراكية العلمية"، فاتفقوا رغم التباعد الزمني بين الموقفين في حصر تفسير مدلول "الاشتراكية العلمية" وربطه بالشيوعية عقيدة وسلوكا.

جاء التكفير الخامس لعبد الناصر عقب الهزيمة العسكرية عام 1967 حيث أعتبر الأخوان المسلمين بأن الهزيمة العسكرية كانت بمثابة عقاب موجه لنظام ناصر الكافر الذي أبتعد عن الله.

وأخيرا صدر التكفير السادس لعبد الناصر بعد أحداث مايو عام 1971. ( راجع كتاب: حسنين كروم. عبد الناصر المفتري عليه. ص 181، 182.)

لم تتوقف الإهانة لثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر عند ترويج الأكاذيب، وإنما امتد التطاول ليشمل صياغة الاتهامات فكانت بذيئة للغاية فاستخدموا أقبح النعوت والصفات فأوقعوا أنفسهم بأنفسهم في تناقض كبير، خاصة مع الأجيال الجديد لتلك الجماعة التي قد تتساءل .. إذا كان عبد الناصر ونظامه على هذا النحو من السوء، فكيف يمكن تفسير التأييد والارتباط الجماهيري الكاسح والغالب بجمال عبد الناصر وبمشروعه؟ وعلى نحو لم يحدث من قبل لزعيم عربي آخر في التاريخ العربي الحديث إن لم نقل التاريخ العربي كله؟

كيف يمكن تبرير خروج الملايين من العرب لتطالبه بالعودة والتراجع عن استقالته بعد حرب يونيو 1967؟ فهذه الحشود التي لم تخرج لرجل قبل جمال عبد الناصر. وهل كانت تلك الملايين من الناس على ضلال .. بينما قيادة تلك الجماعة الضَّالَةُ والمُضَللةُ على حق؟

وعندما رحل عبد الناصر عن دنيانا خرجت الملايين من العرب وغير العرب تودعه في مشهد حزن لم يحدث في التاريخ البشري على الإطلاق وبشهادة المراسلين الأجانب الذين اختلفوا حول تقدير عدد الملايين التي خرجت في وداعه بين 10 إلى 14 مليون رجل وامرأة في القاهرة وحدها إضافة إلي الملايين التي خرجت في باقي مدن وقري ونجوع مصر .. وفي الشوارع العربية تبكيه وتودعه.

لكن قادة تلك الجماعة لن تعدم الحيلة، وسيكون الجواب على سؤال الأجيال الجديدة محصورا في الرد التقليدي الذي تعودوا عليه .. سيقولون للأجيال التي تسأل أن ما تشاهدوه أو تسمعوه هو من صنع النظام الناصري فحشود الملايين مصطنع، وتأييد الملايين لسياسات عبد الناصر على امتداد الوطن مصطنع، وبكاء الملايين على رحيله جزء من فيلم سينمائي أخرجه يوسف شاهين!!!

لكن شهادة الأستاذ عادل حسين في جمال عبد الناصر قد تكشف وتفضح أكاذيب تلك النخبة الحاقدة أمام الأجيال الجديدة. ففي واحدة من أبحاثه ذكر الأستاذ عادل حسين (رحمة الله عليه) أن ما :

" - حققه عبد الناصر أكسب القيادة الشابة قبولا عاما رغم غياب الصلة السابقة بين قيادة الثورة وبين الجماهير الواسعة .. وقد حدث مع تطور التجربة تعميق للقاء السياسي وتشكلت صياغة نظرية يجد فيها القومي والشيوعي والإسلامي كثيرا من مفاهيمه وأهدافه، فزال كثير من أسباب النفور والصراع بين دعاة التغيير والتقدم، وتأهلت أسباب الوحدة الفكرية بين فئات الأمة واتجاهاتها. هذا الإنجاز الفكري المستند إلى نجاح كبير في الممارسة والتطبيق، جعل عبد الناصر زعيما للأمة بلا منازع، ورغم كل الأخطاء ونواحي القصور، كان مشهد وداعه شهادة بتوقيع الأمة على هذه الزعامة." ( عادل حسين. ثورة يوليو وقضايا الحاضر وتحديات للمستقبل. بحوث. ص 855.)

وأخيرا إذا كان هناك من فرصة في العمل السياسي بين الناصريين وتلك الجماعة .. فإن اللقاء مع تلك الجماعة يتطلب الإجابة الصريحة أولا، والمعلنة ثانيا، والصادرة عن أعلا قيادات تلك الجماعة حول عدد من الأسئلة ثالثا .. والمتعلقة أولا بين القائد الخالد جمال عبد الناصر وثورته كخطوة أولي:

_ هل كان العدوان على عبد الناصر في الإسكندرية مسرحية من صنع النظام؟
_ هل كان عبد الناصر كافرا ومعاديا للإسلام؟ وهل سعي لهدم الإسلام وإحلال الشيوعية؟
وبالتالي فهل النظرة للحزب الناصري والناصريين _الآن_ نظرة إلي دعاة من الكافرين؟
_ هل كان عبد الناصر طاغية ومن تمسك بمشرع النهضة الناصري فهو من الطغاة؟
_ وهل أرتكب عبد الناصر جرم تعذيب خصومه أو حتى أعدائه بمنهج تطبقه إسرائيل، أو بأي منهج آخر خارج عن حدود القانون؟
_ هل أهدر عبد الناصر المال العام؟
_ هل كانت زعامة عبد الناصر في الوطن العربي زعامة مزيفة؟
_ هل كانت النعوت السفيهة التي أطلقها قادة تلك الجماعة ضد جمال عبد الناصر صحيحة؟
_ هل كان عبد الناصر وراء حريق القاهرة؟
_ هل كانت مظاهرات 9 و 10 يونيو عام 1967 مدبرة من قبل النظام الناصري؟
_ هل تراجعت جماعة الأخوان عن تحالفها مع الثورة المضادة بقيادة السادات.. ومن بعده مع حسني مبارك؟

لذا .. فإن سؤال الأستاذ سامي شرف من يعتذر لمن؟ له أسبابه، والإجابة عليه ستكشف الحقيقة: هل تغيرت أفكار جماعة الإخوان .. حقا؟ أم تغيرت جلودهم؟ أستاذ سامي شرف .. أنا معك وهذه مبرراتي .. ولنا لقاء آخر مع تلك الجماعة.

محمد فؤاد المغازي

تاريخ النشر : 23.09.04