الفـارق بين الإعلام .. والدعايـة هو الفارق
بين الحقيقــة .. والتضـليل
نموذج الصحفي .. تيسير علـونـي
بقلم : محمد فؤاد المغازي


محمد فؤاد المغازي
ما يميز الإعلام عن الدعاية هو التزام الإعلاميين بالمقولة التي تقول أن :
(الخَبـَرْ حـُرْ .. والــرَّأيْ مَسْئُـولْ).

ومقولة أن الخبر حر تعني أن الخبر ليس ملكا لأحد، فهو ملكا للحقيقة فحسب، وعليه فإن الصحفي أو الإعلامي الملتزم بشرف المهنة هو من يتعامل بشفافية وحياد كامل في نقل الخبر كما هو بدون أي تدخل سواء بالحذف أو الإضافة، أو خلط الخبـر بالرأي، فدور الإعلامي ينحصر في إيصال الخبر (أي الحقيقة) للناس بأمانة شديدة لا تخضع لأهواء النفس أو للمصلحة.

والتأكيد على عدم تحريف الخبر في حقل الإعلام..يعني التأكيد على عدم تحريف الحقيقة، باعتبارها قاعدة التشييد الأساسية لبناء رأي عام مستنير. فمعايير الحقيقة مجالها الإعلام، أما أساليب التضليل فمجالها الدعاية، وبين معايير الإعلام وأساليب الدعاية يجري الفرز بين الصحفي وبين المشتغل بالدعاية، فالأول يتعامل مع الخبر بصدق كي يوفر مناخا صحيا تتمكن الناس من خلاله في تشكيل رأيها في القضايا التي يأتي بها الخبر.

أما الدعائي فمقاييس النجاح بالنسبة له فيحددها عامل ذاتي مرتبط بالربح..حتى وإن أشترك الصحفي والدعائي في مؤسسة إعلامية واحدة، فالدعائي يسلك نهجا مضللا لا يربطه بشرف المهنة أي علاقة، ولا يلتزم بالقاعدة الإعلامية (الخبر حر..والرأي مسئول)، فهو يتعامل مع قضايا الرأي والثقافة والسياسة والدين على أرضية أنها سلع المطلوب الترويج لها وبيعها في الأسواق ( كتصريف محصول الكوسة المعطوبة، أو إضفاء صفة الحياد والنزاهة على نتائج انتخابات مزورة، أو أن يقنع الناس أن الديمقراطية هي بديل عن رغيف الخبز).

وعليه فمن التزم بالقاعدة المهنية للإعلام (الخبر حر..والرأي مسئول) فهو صحفي وإعلامي محترم..ومن انحرف عنها واستبدلها بمقولة أخري، فلا هو صحفي ولا هو إعلامي ولا هو محترم.

بعد هذا التوضيح وجب علينا طرح سؤال عام: هل ما يجري وتتعامل به وسائل الإعلام الآن يتفق مع القاعدة التي أوردناها أن ( الخبــر حــر .. والرأي مسئــول ) ؟ مجرد سؤال!!!

وهذا هو المدخل للكتابة حول قضية الصحفي تيسير علوني. فكل ما هو متاح للرأي العام من معلومات حوله قليل، وهذا ما يثير الريبة والاستغراب. إضافة إلي قلة المعلومات المتوفرة عنه، تأتي طريقة التعامل الشاذة من خلال الإجراءات التي مارستها الحكومة، والجهاز القضائي في أسبانيا مع تيسير علوني..فلا الحكومة الأسبانية تقيدت بنصوص القانون الأسباني نفسه، ولا الجهاز القضائي الأسباني مارس دوره كسلطة قضائية منوط بها تطبيق القانون وتحقيق العدالة!!!

فالخبر (أي الحقيقة) المتعلقة بتيسير علوني ما تزال محجوبة عن الرأي العام سواء الرأي العام الأسباني أو العربي أو الدولي، ومحجوبة أيضا عن دائرة أبناء المهنة الواحدة من الإعلاميين. وهذا سلوك لا يقدم عليه الحمقى..وإنما سلوك لنظم فاشية تخشي أن تصل الحقيقة للناس، أي أنها تتجنب نشر الخبر المتعلق بحقيقة ما جري ويجري مع تيسير علوني.

فالطريقة التي عومل بها الصحفي والإعلامي تيسير علوني لا تتفق مع أي معيار أخلاقي أو قانوني أو إنساني، وهذا يجعلنا نستنج أن الضغوط التي تمارس على الحكومة الأسبانية كانت من الضعف والهشاشة إلي درجة أن الحكومة الأسبانية لم تأبه بها ولم تعيرها أي اهتمام.

وهنا أطرح فرضية ماذا لو أن هذا الصحفي فرنسي أو أمريكي أو بريطاني أو ألماني..المهم أنه يحمل هوية غير الهوية العربية ويعتنق دينا غير الدين الإسلامي وجري معه ما جري مع تيسير علوني..من قبل حكومة ليست غربية..ماذا كان سيحدث؟ وهنا أنا أكتفي بطرح السؤال فقط!!!

إن هذا السلوك يقدم الدليل على أن الحكومات الغربية تعودت أن تسلك نهجا خاصا في مواجهة ما هو عربي وما هو مسلم بغض النظر عن المهنة والموقع. وللتدليل على صحة ذلك هو وحدة المنهج الذي تتبناه غالبية الحكومات الغربية تجاه العرب والمسلمين فهم يتوحدون حول قاعدة غزو الأرض العربية لأنها لا تتمتع بالحماية وبالحصانة وبالسيادة كبقية أراضي الغير، وفي الداخل العربي لم يعد هناك حُـجُـبْ تمنع الغربيين من دس أنوفهم في كل ما هو خاص، أو الزج في السجن لكل ما يتجرأ على قول مخالف لا يعجبهم كنموذج تيسير علوني، أو بالتحقير وبالإهانة المتعمدة تعكسها مفردات اللغة التي يخاطب بها العرب والمسلمين ( كالمفردات التي تصاغ بها قرارات مجلس الأمن كمصطلح الإذعان، والانصياع، والفوري..إلخ)..فأصبحنا الأمة الوحيدة في العالم التي يشار إليها بالعصا..وليس بالبنان!!

من هذا المنطلق تعاملت الحكومة الأسبانية مع تيسير علوني لأنها وبكل بساطة غير مطالبة بتقديم أدلة تبرر سجن تيسير علوني، فيكفي أنه عربي وأنه مسلم لتسقط حقوقه المدنية والإنسانية!!

وعندما أتصفح بعقلي ما يمكن أن يوجه إلي الصحفي تيسير علوني من اتهام، فإنني أستبعد مثلا أنه أرتكب جريمة قتل، أو أنه شارك فيها، أو أنه حرض عليها، أو أنه أرتكب جريمة مخلة بالشرف كالسرقة، أو أنه شارك في تنظيم عسكري في المناطق التي عمل فيها كصحفي ومراسل في أفغانستان أو العراق، أو أنه لم يلتزم بقواعد المهنة وبشرفها فخلط بين الخبر والرأي..ليضلل الرأي العام الغربي!!!
وإذا افترضنا أنه أرتكب جريمة يعاقب عليها القانون الأسباني أو أي قانون آخر فلماذا تتجمد الإجراءات القانونية معه؟

هذا التعامل الشاذ والمتعالي إن دل على شئ فإنما يدل على أن تيسير علوني كان واحدا من أبرز الصحفيين الذي غطوا أخبار الحرب العدوانية والإجرامية في أفغانستان والعراق، وأنه تقيد بشرف مهنته فنقل الخبر إلي الناس وفقا للقاعدة التي أشرت إليها ( الخبر حر..والرأي مسئول )، وكان التزامه برسالة الإعلام التزاما نزيها، أزاح القناع عن وجوه القتلة الغزاة مجرمي الحرب، فما قام به تيسير علوني وزملائه الأشراف من الإعلاميين أنهم سجلوا ما ارتكبه مجرمين الحرب، وتحولت أعمالهم إلي أدلة اتهام دامغة ستشرع يوما في وجوه القتلة المجرمين.

وقد يقول قائل أن تيسير علوني قد نقل أخبارا تعرض الأمن القومي لأسبانيا أو لغيرها من دول الغرب للخطر. إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يقدمون الدليل للرأي العام الغربي؟ أما التحجج بأن أدلة الاتهام والإعلان عنها ما زال يهدد الأمن القومي الأسباني ويعرضه للخطر، فهذا تبرير فضلا عن كونه سخيف..فهو غير مبرر بعد أن انسحبت القوات الأسبانية من العراق بفعل المقاومة العراقية البطلة.

وليسمح لي القارئ أن أطرح السؤال الأخير. ألم يكن طموح أي صحفي غربي هو أن يكون في موقع تيسير علوني في قلب وبؤرة الأحداث؟ وأن يكون دوره الصحفي في مستوي الأداء المهني المتميز لتيسير علوني في نقل الخبر والتعامل معه سواء في أفغانستان أو في العراق؟

لذلك أقول : مخطئ من يعتقد أن الموجود في سجون أسبانيا هو الإعلامي تيسير علوني، إن الموجود في زنزانة الحكومة الأسبانية هو الخبر الحر أي الحقيقة.

محمد فؤاد المغازي

تاريخ النشر : 15.03.2005