حـوار بالعقـل مع واقــع بلا عقـل
بقلم : محمد فؤاد المغازي


محمد فؤاد المغازي
مطلوب من الكاتب أو المحلل السياسي أن يتعامل مع المعطيات السياسة بالعقل، فيكتشف هذا الكاتب أنه ضحية لأنه مطالب بأن يتعامل بالعقل..مع واقع بلا عقل.

فبعد حدوث انفجار أودي بحياة ضحايا من بينهم رئيس وزراء لبنان السابق وأحد أقطاب المعارضة رفيق الحريري..وفي الوقت الذي كان فيه رجال الإطفاء يبذلون قصارى جهدهم لإخماد النيران المشتعلة، إذ بنخبة من القيادات اللبنانية ذات السمعة الوطنية يصدرون بيانا..يزيد النار اشتعالا ويضاعف من حجم الجهد المطلوب من رجال (الإطفائية)!!

وللأسف، فإن المقارنة بين ما صدر عن المعارضة اللبنانية من ردة فعل قد يتساوى مع ردة الفعل والحماقة التي صدرت عن الإدارة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر من عام البرجين.. فإن ردود الفعل كانت واحدة، نتذكر كيف وجهت إدارة جورج بوش وعلى الفور أصابع الاتهام لجهة محددة من قبل أن يبلغ بوش بما جري.

نفس ردة الفعل (ومع الفارق في القياس)، تمثلت فيما جاء من اتهامات للحكومة اللبنانية في البيان الصادر عن المعارضة اللبنانية يدين خصومهم السياسيين ويحولهم إلي قتله !!

قد أفهم..أن يوجه الأمريكيون ألف ألف اتهام للعرب والمسلمين ليس عن قضايا وجرائم ارتكبوها ولكن عن جرائم ارتكبها العالم وفي المقدمة الأمريكيون أنفسهم،

لكن أن يتحول مصير لبنان إلي لعبة سياسية تشعل فيه النيران التي كادت أن تقضي عليه عام 1975.

قيل أن الحكومة وصفت المعارضة بالمعارضة الخائنة..توصيف خطئ ومُجـَرَمْ.. لكن هذا التوصيف جاء في سياق تراشق سياسي ولفظي بين خصوم يجتمعون في مبني واحد، ويتناوبون السلطة فيما بينهم، وهذا مخالف تماما للظرف الذي وجهت فيه المعارضة الحكومة اللبنانية والدولة السورية اتهاما بالقتل وبما جري من أحداث في العاصمة بيروت!!

اتهام..قد لا تقف آثاره ونتائجه عند حدود التراشق والمزايدة السياسية المعهودة ، ولا حتى عند دائرة النيران التي جرت في بيروت، وإنما قد تصل بلبنان واللبنانيين إلي العودة إلي أحداث لبنان في 1975، وقد تحول أيام لبنان إلي الرابع عشر من فبراير عام 2005..تراشق بالكلام..يمهد الطريق إلي العودة للتراشق بالنار..والقتل على الهوية!!

أما كان من الأفضل للتحالف المعارض أن يتضمن بيانه طلب المشاركة والإشراف على التحقيقات؟ بدلا من أن يطالب بيانه بأن يقوم بالتحقيق أطراف دولية!!

وهم يدركون جيدا نتائج هذا الطلب، وماذا سيترتب عليه من فتح أبواب لبنان للتدخل الدولي..وهي حالة تدويل قائمة وإن كانت في بدايتها ويمثلها قرار 1559، والتصريحات الفرنسية والأمريكية تشجع على مثل هذا الطلب.

كان على المعارضة أن تدرك أن سلوكها السياسي والمصالح الحزبية، وما ورد في بيانها كان من سوء الطالع، ويمثل تحليل قاصر لموقف عام اختزلوه في إطار مصالح حزبية وطائفية، وقد يصل سوء التعبير والتقدير الذي تضمنه بيانها، إلي أن يدفع بتطور للأحداث قد يصل بالمعارضة إلي أنها لا تجد بلدا أسمه لبنان تحكمه..أصلا.

هذا النقد موجه من فرد ليس له علاقة بأطراف المعارضة، ولا بأطراف السلطة، لكن له علاقة بلبنان..ويهمه أن ينجو البلد الذي ساهم في تعليمه من نيران الفتنة..فأنا واحد من خريجي كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في لبنان، وعشت فيه أجمل أيام عمري..كلها. لم تلاحق بي أحداث الحرب الأهلية..وقد يكون في رواية تلك القصة ما يفسر ما جري ويجري وسيجري.

كنت أسكن في منطقة أسمها وادي أبو جميل، وكنت أسكن عند خالتي أم سركيس، واسمي كما هو مكتوب أعلاه محمد، واكتشفت أن هذه المنطقة خاصة بالطائفة اليهودية، وفي الصباح كان اليهودي والمسيحي والمسلم يصطفون أمام الخباز لشراء خبزهم لم يتقدم أحد على الآخر بسبب دينه. وحتى اليوم وأنا مدين لخالتي أم سركيس لأنها عاملتني أنا وخالد وهو الآخر طالب من سوريا كأبنائها.

اللهم نجي لبنان ليس من شر أعدائه وحساده فحسب، وإنما نجه من شر أبنائه!!!

محمد فؤاد المغازي

تاريخ النشر : 07:03 2005-02-15