مرور 34 سنة على أنقلاب السادات (الجزء الأول)
دراسة أعدها : محمد فؤاد المغازي


محمد فؤاد المغازي
أحداث مايـو 1971..خلافا في الرأي ؟ أم صراعا على السلطة ؟
موقع أطراف الصدام في جهـاز السلطـة:
إن ما يجري الآن في مصر وفي المنطقة العربية كانت بداياته والتمهيد له قد جري وبدأ بأحداث مايو 1971. هذه دراسة تتناول تلك الأحداث لعلها تكون بداية لتأريخ وتحليل ما جري لنتعرف كيف جري؟ ومن هم المتسببين فيما جري؟
لقد رأينا أن نعالج قضية الصراع أو الخلاف بين السادات والقيادات الناصرية والنتائج المترتبة..على النحو التالي:
أولا: تحديد مواقع أطراف الصراع في السلطة.
ثانيا: قضايا الخلاف أو الصراع.
ثالثا: الوسائل المستخدمة في إدارة الصراع.
رابعا: دور الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحداث مايو عام 1971..لأنه من أهم الأدوار..ولهذا لقب الأستاذ هيكل بمهندس انقلاب مايو 1971.

مواقع أطراف الصراع أو الخلاف في السلطة :
محمد أنور السادات:

تولي رئاسة الاتحاد القومي من 1957_1961، ثم رئاسة مجلس الأمة من 1961 إلي 1969، كما كان عضوا بمجلس الرئاسة من 1961 إلي 1964، ونائبا لرئيس الجمهورية من 1964 إلي 1967 ومن 1969 إلي 1970، كما أصبح عضوا في اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي. وأمين اللجنة السياسية باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي.
أما مكانته كعضو في اللجنة التنفيذية العليا، فلم ترقي إلي الثقل السياسي الذي كان يتمتع به علي صبري، فالأخير كان يحظى بتأييد غالبية أعضائها، وغالبية أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي.

القيادات الناصرية:
علي صبري:
تولي رئاسة الوزراء في عام 1964 فكان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر حقق وبنجاح تنفيذ الخطة الخمسية الوحيدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (1959/1960 _ 1964/1965).
ثم عين نائبا لرئيس الجمهورية من 1965 حتى 1967 ورئيسا للاتحاد الاشتراكي العربي من 1965 إلي 1967، ومن 1968 إلي 1969 وأصبح نائبا لرئيس الجمهورية من 1970 حتى 1971.
أصبح عضوا في اللجنة التنفيذية العليا، ومساعدا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع الجوى، ومسئول الاتصال بين القوات المسلحة المصرية والقيادة السوفيتية في كل ما يخص التسليح والتدريب والخبراء، وعضو مجلس الدفاع الوطني الذي تشكل في نوفمبر 1970 ويتعلق دوره ما يختص بقضيتي الحرب والسلام.
سامي شرف:
أختاره الرئيس ناصر في تأسيس مركز للمعلومات تابع لرئاسة الجمهورية فكان من المطلعين على دقائق الأمور والقرارات التي تصدر عن رئيس الجمهورية وتتعلق بأمنه.
الفريق أول محمد فوزي:
وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة المصرية، قام بأهم الأدوار في إعادة بناء الجيش المصري عقب حرب يونيو عام 1967، وكان من المؤمنين بالمشروع الناصري.
شعراوي جمعة:
شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، مقرر اللجنة التنفيذية العليا كان المسئول عن التنظيم الطليعي الذي كان يضم نخبة من القيادات السياسية التي سوف تتولي القيادية وضمان استمرار النهج السياسي لثورة 23 يوليو وتطويره. وكان من المتفوقين في دراسته الثانوية والعسكرية.
محمد فائق:
وكل إليه مسئولية الدور المصري في إفريقيا، شغل منصب وزير الأعلام حتى أحداث مايو 1971.
د. محمد لبيب شقير:
أستاذا جامعيا للاقتصاد السياسي، اسند إليه منصب وزير التخطيط في الستينات، انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية العليا، ورئيسا للبرلمان المصري حتى أحداث مايو 1971.
ضياء الدين داود:
تأثر بالثورة وببرنامجها وبشخصية ناصر. اشترك في العمل السياسي مبتدئا بهيئة التحرير، ثم أمينا للاتحاد الاشتراكي العربي لمحافظة دمياط عام 1964. انتخب عضوا في مجلس الأمة، ثم وزيرا للشؤون الاجتماعية، وفي عام 1968 انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية العليا.
عبد المحسن أبو النور:
احد الضباط الأحرار..كان آخر المناصب التي تولاها هو منصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي العربي، إلي جانب كونه عضوا في اللجنة التنفيذية العليا.
إلي جانب القيادات الناصرية البارزة والتي أوردنا أسمائها، كانت هناك قيادات سياسية شغلوا مناصب قيادية في داخل الجهاز التنفيذي والسياسي والتشريعي..من أمثال الأستاذ عبد المجيد فريد، والأستاذ فريد عبد الكريم، والأستاذ عبد الهادي ناصف، وسعد الدين زايد ..وغيرهم.

كيف أصبح السادات رئيسـا للجمهورية العربية المتحدة ؟
انحصرت خلافة ناصر في السلطة في دائرة أعضاء مجلس قيادة الثورة. لكن من المؤكد أنه لم يكن في مقدور أي من الأسماء التي ترددت أن يصل من بينها إلي خلافة ناصر بغير تأييد من القيادات الناصرية..التي سبق وأشرنا إليها. ولتفسير أهمية دور القيادات الناصرية في دعم مرشح الرئاسة، علينا إلقاء الضوء على القواعد الدستورية المنظمة لقواعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد. فقد اشترطت القواعد الدستورية قبل طرح اسم أي مرشح على الاستفتاء العام، حصوله على موافقة المؤسسات السياسية والدستورية وهي:
اللجنة التنفيذية العليا.
اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي.
مجلس الأمة أو البرلمان المصري.
هذه المؤسسات المركزية الثلاثة كانت جميعها في حوزة القيادات الناصرية، وبالتالي كان تأييدها لمرشح الرئاسة أمرا أساسيا. كانت القيادات الناصرية غير مقتنعة بكفاءة حسين الشافعي..ولم يكن من بينهم من هو راغبا في ترشيح نفسه خلفا لناصر. لم يوافق على ترشيح السادات غير حسين الشافعي، وفريد عبد الكريم.
بعدها أستقر الرأي على إتمام الإجراءات التالي:
_ يعرض الترشيح على اللجنة التنفيذية العليا يوم السبت 3 أكتوبر 1970.
_ بعدها يعرض أسم المرشح على اللجنة المركزية يوم الاثنين 5 أكتوبر 1970.
_ دعوة مجلس الأمة لاجتماع غير عادى صباح يوم الأربعاء 7 أكتوبر 1970.
_ يتم الاستفتاء يوم الخميس 15 أكتوبر 1970.
_ إذا جاء الاستفتاء بنعم، يؤدى رئيس الجمهورية أمام البرلمان اليمين الدستورية وفقا لنص المادة 104 من الدستور. [i]
في 15 أكتوبر تم دعوة الناخبين إلي الاستفتاء بانتخاب الرئيس الجديد، حيث وافق 6 مليون على انتخاب السادات رئيسا وخلفا لناصر، وأعترض على انتخابه أكثر من 700 ألف. وفي اليوم السابع من شهر أكتوبر عام 1970، وأمام البرلمان المصري أعلن السادات عن ستة أهداف مركزية تشكل القواعد الأساسية والاستراتيجية لمرحلة ما بعد عبد الناصر:
النقطة الأولى: مواصلة النضال من أجل تحرير كل الأرض العربية المحتلة نتيجة لعدوان 5 يونيو 1967، وحددها بنفس الترتيب الذي كان يردده جمال عبد الناصر: القدس العربية، غزة والضفة الغربية، المرتفعات السورية.. قبل سيناء. كما أكد على الرفض القاطع لأي تسوية ثنائية مع إسرائيل.
النقطة الثانية: الاستمرار بمواصلة النضال من أجل وحدة الأمة العربية، التي عمل من أجلها جمال عبد الناصر.
النقطة الثالثة: تحديد أعداء الأمة العربية، وهم إسرائيل، الصهيونية العالمية، الاستعمار العالمي.
النقطة الرابعة: التمسك بسياسة عدم الانحياز كما علمنا إياها جمال عبد الناصر.
النقطة الخامسة: أننا جزء من حركة التحرر الوطني في الاتجاه التقدمي الاشتراكي، وأننا جزء من حركة التقدم العالمي الضخمة.
النقطة السادسة: الحفاظ على المكاسب آلتي تحققت لجماهير الشعب العامل بالمعنى الذي رسمه وحدده قائدنا ناصر. [ii]
كانت النقاط الستة السابقة تمثل أرضية الاتفاق الغير معلن بين السادات والقيادات الناصرية. كما كان للطريقة والسرعة التي تم بها حسم اختيار خلفا لناصر، أن أزالت الشكوك حول احتمالات الصراع على السلطة، وأظهرت النظام الناصري متماسكا بمؤسساته وقياداته، مما أعطى فرصة للجميع لالتقاط الأنفاس، إضافة إلي طمأنة قطاع كبير من الجماهير العربية، كما هدأت من قلق بعض النظم العربية التي ارتبطت بسياسة مصر في ذلك الوقت مثل ليبيا، والسودان، وسوريا، ومنظمة التحرير الفلسطينية. وفي 18 أكتوبر 1970 أدى السادات اليمين الدستوري أمام البرلمان المصري وأصبح رئيسا للجمهورية العربية المتحدة.
---------------------------------------------------------
[i]_ أمين هويدي. مع عبد الناصر. بيروت 1980.دار الوحدة.ط1. ص211.
[ii]_ السادات. خطاب أمام البرلمان المصري في 7/10/1970. الوثائق العربية 1970. مرجع سابق. ص65،655،656.


محمد فؤاد المغازي

تاريخ النشر : 14.05.2005