أخيـرا .. انتهت الانتخابات الأمريكية في العراق (1)
بقلم : محمد فؤاد المغازي


محمد فؤاد المغازي
في أيامنا (اللي أسود من قرن الخروب) أصبحت كلمة الديمقراطية تدس في كل موضوع.. ابتداء من حق النعجة دولل (Dolly) في رفضها للاستنساخ..إلي انتخاب أبو مازن..إلي الانتخابات الأمريكية في العراق التي تجري بقرار طاغية أمريكي..وبإجراءات يتولاها مجموعة من الخونة.

والسؤال كيف يمكن للحرية أن تتحقق..وتمارس في ظل المناخ الفاسد؟
فالكذب والدجل وتلوين الحقائق أصبح جزء أساسي من تركيبة وطبيعة مؤسسات الدعاية في الغرب، ويمكن تعميم هذه المقولة على مؤسسات الدعاية في منطقتنا العربية المرتبطة بالسلطة.

فالدعاية وما تملكه من إمكانيات أصبحت قادرة على إزاحة دور الإعلام الحقيقي الذي يرتبط بشرف المهنة..فالعملة الفاسدة من رجال الدعاية سوف تطرد العملة الجيدة من الإعلاميين الذين يمارسون دورهم الريادي في بناء رأي عام مستنير يمكن الناس من الاختيارات الصحيحة.

وبسبب البترودولار..ظهرت في حياتنا نماذج من رجال يتستروون وراء ملبسهم ومظهرهم يروجون للمشروع الغربي الصهيوني بمسوح دينية تتمسك بالشكل فتسئ إلي الجوهر، فنشاهد منهم من كان يقبل بريمر بطريقة أسوأ مما كان يمارسها ياسر عرفات، في الوقت الذي تسعي فيه جميع نظم الحكم العربية إلي توجيه أنظار شعوبها..وتحصر اهتماماتهم في إطار النجاة بالنفس من خلال ترويج شعار القطرية أولا، والقطرية ثانيا، والقطرية ثالثا..هذا المناخ العام قد جعل الإنسان العربي في وضع لا يحسد عليه!!

كما ساهم نمط السلطة..وخلط الدعاية بالسياسة وبالدين واتساع وتنوع الأكاذيب والتضليل والتدليس إلي خلق حالة تسببت في تسميم المناخ الكوني، وأسقطت كل قداسة ترتبط بشعارات تمثل أحلام الناس كالسلام والعدل والحرية والديمقراطية. فتحولت الحرية والديمقراطية الغربية إلي سلعة تباع وتشتري..وتمثل مصدرربح لنخب ماتت ضمائرها.

ويقود الترويج لشعارت ليس لها فرصة للتطبيق بين الناس إلي فقدان الثقة في كل شئ..بدءا بالحرية والديمقراطية وعلاقة الإنسان بالسماء..إلي القدرة على الحلم. كارثة تتسع دائرتها يوما بعد يوم، وأضرارها موجهة بالدرجة الأولي للأغلبية المسحوقة والمقهورة والتي تحصل على رغيف يومها بالكاد وبجهد لا يقل عن جهد جنود في ساحة الحرب.

ثم يأتي طوفان العولمة ليبتلع كل شئ جهد الناس وثرواتهم الطبيعية..وهو وافد غربي يعلم كل البشر ماذا تأكل وماذا تشرب. ومتي تأكل؟ ويحدد الكمية. وما هي الملابس؟ كل شئ في حياتنا أصبح خارج نطاق الارادة سواء للفرد أو الجماعة..حتي صياغة العلاقات الانسانية أصبحت هي الأخري مرهونة بقوانين العولمة..فوصلنا إلي واقع هو بالفعل حلبة صراع وسباق..الضعيف مهزوم من قبل أن يصعد إلي الحلبة، والفائزون في السباق هم فقط القادرين على العدو التكنولوجي!!

ونعتقد..أو نأمل أن يقود الدجل والكذب الدائم للإدارة الأمريكية وحلفائها، ومؤسسات الدعاية الدائرة في أفلاكهم..أن تتآكل مصداقيتهم في كل ما يروجون له..وندرك أن الديمقراطية الغربية والنموذج الأمريكي على وجه التحديد لا يقود إلي الحرية..وإنما يصل بنا إلي الخراب.

فالتناقض القائم بين مضمون الشعارات وبين التسويق والتطبيق لها.. يكشف عن انفصام تام بينهما. فما نراه يجري على أرض العراق وفلسطين يكذب كل شئ يصدر عن تلك الشعارات. ونحن على قناعة أن كل عاقل سيدرك أنه من غير المتصور والمقبول أن يكون الطريق إلي بناء الحرية في العراق تكون تكلفته أن يقوم القتلة من الأمريكيين وحلفائهم بحصاد أرواح الملايين الأبرياء.

كما أنه لا معني أن يضيع أي عربي وغير العربي في الإستماع الممل إلي ما يصدر عن الغرب، فلدي الكثير من الشعوب تسجيلات تكررت فيها نفس الشعارت وترددت فيها نفس الوعود وأكاذيب بطول التاريخ الإنساني..منذ أن أصبحت ثقافة الرجل الأبيض هي السائدة.. ثقافة لا تؤمن بالمساواة ولا تقبلها، ولكنها لا تخجل بالمتاجرة بشعارتها.

غير أن هذا لا يسقط الدور النبيل والباسل للإعلاميين الشرفاء..صحيح أنهم يمثلون الآن أقلية، ووجودهم أصبح عبئا على مؤسسات الدعاية التي يعملون بها..لكنهم وبكل فخر ساهموا في إيصال شعاع ضوء سلطوه على الحقيقة كي يراها الناس الآن، وكشفوا القناع عن وجوه مدسوسة على مهنة الإعلام..فستبان إلي حد ما الطيب من الخبيث.

في ظل هذا كله جرت وانتهت الانتخابات الأمريكية للغزاة القتلة في العراق..ومثلما أجمعت أبواق الدعاية الغربية وتوابعها في المنطقة العربية على أن الانتخابات الأمريكية في العراق كانت مبهرة..ففي المقابل أجمع كل الشرفاء ممن يحملون رسالة الاعلام بشرف، وكل أصحاب الأقلام الحرة ممن لا ينطقون بألسنة غيرهم..أن الانتخابات الأمريكية في العراق ليست مزورة فحسب..وإنما وسيلة سفيهة..معروفة النتائج من حيث توزيع الغنائم السياسية على المشاركين فيها من قبل الجماعات والأفراد، وما يسمون أنفسهم بالأحزاب في العراق..وأن قرار التوزيع يمتلكه شخص واحد هو الطاغية جورج بوش.

وأن الاختيارات وتحديد الأسماء وحجم الغنائم قد تم من قبل أن تبدأ الانتخابات الأمريكية في العراق، وأعتمدها الحزبين الجمهوري والديمقراطي واللوبي الصهيوني، وما يجري الآن من مشاهد مسرحية ينحصر في نطاق الشكليات..والفائزين بالمناصب والغنام محصورا في عدد من أصحاب العمائم، ومن أمريكيين من أصل عراقي.

إن ما جري من انتخابات أمريكية في العراق كان بغرض تأسيس شرعية عراقية مزيفة تمنح الغزاة القتلة شرعية وجودهم في العراق وتسقط من على أكتافهم جرائم الحرب التي ارتكبوها في حق العراق وشعبه. يضاف إلي هذا تهيئة الظرف الموضوعي لنشوب حرب أهلية في العراق..وأملنا في شعب العراق أن يفوت على الطغاة والخونة مشروعهم الشيطاني.

فالغزاة القتلة لم يكن في نيتهم زرع الديموقراطية بجوار نخيل العراق. والحرية لا تحققها شعارات القتلة..ولا بتسلط الطغاة أو بالوسطاء الخونة..فهذا مستحيـــــــــــل!!!

محمد فؤاد المغازي

تاريخ النشر : 01:03 2005-02-06