ديمقراطية أبو غريب
ألهامى الميرغنى باحث مصرى

أخذوا منى الساعة والنظارات
ووضعوني في قبو مظلم
كي أدرك حين خروجي
ما منحوه للوادي من عز وتقدم
إذ نقلوه من ظلمات العصر الحجري
إلى بهجة عصر الشرطة
                  صلاح عبد الصبور


منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية السابقة بدأت رياح الديمقراطية الأمريكية تهب علينا وجذبت قطاعات من النخب اليسارية التي انخرطت في منظمات المجتمع المدني الممولة أمريكيا ، وأصبح قطاع عريض من النخب المثقفة يبشرنا بالديمقراطية الأمريكية كنموذج ومثال صمد ولم ينهار كما حدث في الكتلة الشرقية السابقة ويبشرونا بما قاله فوكوياما من أنها نهاية التاريخ ، وان العولمة الرأسمالية قادمة لاريب فيها.ومن الذي يمكنه أن يقف أمام قطار العولمة الرأسمالية القادم .
الواقع أن الديمقراطية ليست شئ منفصل وسط السلة الأمريكية ولكنه جزء من خطة التطوير والتحديث وفق النموذج الأمريكي الذي يستهدف أمركة العالم وفق الرؤية الليبرالية المتوحشة وفرض نموذج للتنمية والديمقراطية على العالم باعتباره النموذج الوحيد الذي لا فرار منه.

وتساءلنا منذ متى كانت الولايات المتحدة ديمقراطية منذ دعمت موبوتو وكابيلا وعيدي أمين أم منذ قتلت سلفادور الليندى في شيلى وهو الرئيس المنتخب أم بدعمها لشاه إيران أم بدعم السادات وضياء الحق الجنرال الفاشي أم بدعم بيونشيه وارستيد وغيرهم من وكلائها في أمريكا اللاتينية . أي ديمقراطية وهى صاحبة الانقلابات على الأنظمة الديمقراطية في شيلى وباكستان وهى التي تطالب بتجاهل الرئيس الشرعي المنتخب للشعب الفلسطيني. أي ديمقراطية وهى لم تدعم سوى الأنظمة الاستبدادية الفاشية على امتداد خريطة العالم .واختصرت أحيانا قضية الديمقراطية في تداول السلطة وضرورة وجود حزبين وفق النموذج الأمريكي.

إن الولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات لدعم الأنظمة العميلة وتغض الطرف عن الاستبداد والقمع الذي يتم . وليفسر لنا المبشرين بالنموذج الأمريكي كيف تدعم الولايات المتحدة الأنظمة الاستبدادية وكيف تحاصر الأنظمة الرافضة للخضوع للنموذج الأمريكي من كوبا إلى فنزويلا إلى جنوب أفريقيا.

ثم جاء 11 سبتمبر وما أعقبه من غزو أفغانستان وما حدث هناك من انتهاكات لحقوق الإنسان يندى لها الجبين ولعل ما حدث ويحدث في معتقل جوانتانامو هو تجسيد حقيقي لطبيعة الديمقراطية الأمريكية. وتلا ذلك غزو العراق وما حدث من انتهاكات منذ اليوم الأول للاحتلال ، وحتى العراقيين الذين فرحوا لرحيل صدام اكتشفوا مع الأيام أنهم استبدلوا صدام بالخواجة برايمر وفرقة مجلس الحكم الإنتقالى .

وراح بعض المثقفين ينظرون للتعامل مع مجلس الحكم الذي جاء على مدافع الدبابات الأمريكية ، وراحوا يروجون إلى إننا لم نعيش معاناة الشعب العراقي في ظل حكم صدام والنعيم الاصفهانى الذي يعيشه الآن والذي يجب أن ندعمه ؟!!!!! وهرع البعض إلى بغداد المحتلة لحضور الندوات والمؤتمرات والقبض بالدولارات والظهور على الفضائيات والقئ في وجوهنا بأوهام تنبع من جيبوهم المحشوة بالدولارات الأمريكية.

وأخيراً أعلن عن المآسي التي حدثت في سجن أبو غريب قرب بغداد وهو سجن يحمل تاريخ أسود وتشهد جدرانه بالمآسي التي عاشها الشعب العراقي وها هو في ظل الحقبة الصدامية الأمريكية التي يقودها بريمر وزيبرى والجلبى والباجه جي وغيرهم من صنائع الاحتلال .إن ما حدث في أبو غريب والصور التي تناقلناها على شبكة الانترنت لخير دليل على طبيعة الديمقراطية الأمريكية التي تعتمد على الاغتصاب ليس بالمعنى المعنوي للكلمة ولكن بالمعنى الحسي الجسدي الذي يجسد انتهاك الأعراض والحرمات.فهذه هي الديمقراطية الأمريكية التي أعادت إلينا ذكريات فيتنام وكما عادت سيجون حرة ستعود بغداد والبصرة والكوفة وستتحرر ليبنى العراقيين عراقهم الجديد الذي يعمد الآن بالدم.

بماذا يبرر لنا أذناب الأمريكان موافقة الحكومة الأمريكية على الإصلاح السياسي على جرعات والخطة التي طرحها الرئيس مبارك وباقي الزعماء الذين يخشون على شعوبهم من الصدمة الديمقراطية.ورغم ذلك يستمرون ليبشرونا بالنموذج الإصلاحي القادم على جرعات ولننتظر حتى تأتينا ديمقراطية أبو غريب؟!! إنها ديمقراطية القمع والسحل والسلخ فهي التي قمعت مظاهرة عيد العمال في القاهرة رغم كل ادعاءات الديمقراطية وحرية التعبير ورغم بعض الأرجوزات الذين يطلون علينا من التليفزيون الحكومي ليخدعوا السذج بالتغيير الذي حدث !!! والتغيير القادم على يد مبارك الأبن!!

  • فضيلة الاعتراف:

  • علمني والدي منذ الصغر أن الاعتراف بالحق فضيلة ، كما أن الاعتراف ضمن العقيدة المسيحية هو أن يذهب الشخص إلى الكاهن ليعترف أمامه بالخطيئة التي ارتكبها ويطلب منه أن يساعده لكي يغفر له الرب هذه الخطيئة.
    وأنا الآن أريد أن اعترف وعلى الملء بأنني كنت أظن نفسي ديمقراطياً ولكن حين أعدت تأمل الأشياء وجدت انه مجرد كلام ولذلك أعترف بأنني كنت شيطاناً أخرس وذلك على النحو التالي:
    ـ حين مارست السلطة الحاكمة التعذيب ضد الجماعات الإسلامية في مصر صمت وصمت اليسار كله باعتبار أنهم إرهابيين وهذا شئ طبيعي ، بينما المفترض لو كنت ديمقراطياً حقيقياً أن أطالب بمحاكمة عادلة لهم وبوضعهم في سجون إنسانية لأن هذه أبسط قواعد الديمقراطية ولكنني لم أفعل وكذلك الكثيرين.
    ـ حين تم احتلال أفغانستان وحدثت المجازر الأمريكية واقتيد العشرات من المقاتلين إلى جوانتانامو لم أتحرك ولم ارفض ذلك وصمت لأنني غير ديمقراطي ولأنني كنت مثل جحا فطالما انه بعيد عنى لا ضرر.
    إنني أعترف بخطيئتي وأعدكم بأنني سأبذل كل ما املك لكي أكون ديمقراطياً قولا وفعلا ، وألا اسكت عن الحق ولو كلفني ذلك حياتي .
    واعترف إننى حين شاهدت ما حدث في سجن أبو غريب شاهدت نفسي وسط المعتقلين هناك وشعرت بألم الاغتصاب وتحسست مؤخرتي من الألم ، وإنني حين شاهدت وشاهدتم جميعا ما حدث لنساء العراق رأيت بينهم أمي واختى وزوجتي وأبنتى وبكيت كما لم أبكى من قبل. هل وصل بنا الهوان إلى هذا الحد؟!!
    وأقسمت ألا أقبل بالديمقراطية الأمريكية ،لأنها تجسدت في أبو غريب بصورتها المثالية بدون رتوش أو تجميل وإنني منذ اليوم قد نذرت نفسي للتصدي للديمقراطية الأمريكية والسعي من اجل ديمقراطية المضطهدين والمستضعفين في الأرض وإن وعد الله قريب ، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون. وكما كتب محمد سلماوى:

    معذرة بغداد
    أن سقطت في النار
    معذرة أن سقطت
    تحت غزوة المحررين
    من جحافل التتار
    معذرة أننا
    لم نهرع لنجدتك‏..‏
    لم نكن في البصرة ولا الموصل ولا أور
    لم نأت لكربلاء ولا النجف الأشرف‏..‏
    حين دكت المدافع تاريخك الأكرم‏.‏
    معذرة بغداد‏..‏
    أننا لم نظهر الشهامة معذرة‏..‏
    فقد آثرنا السلامة‏!‏


    إلهامي الميرغني
    2004-05-04
    eme55@hotmail.com

       


    مع تحيات : ألهامى الميرغنى باحث مصرى